ارتكاب الأخطاء من قبل الأفراد، تعد مسألة طبيعية، فضلاً عن كونها إيجابية في كثير من الأحيان؛ في حال تم التعامل مع الحياة بوصفها فرصة للتعلم. الأخطاء في هذا المقام تعبر عن مواقف يمكن استثمارها في تشخيص الأسباب التي أدت إلى الابتعاد عن سبيل الصواب، ومن ثم الاجتهاد في معالجة تلك الأسباب، الأمر الذي يوفر فرصة لتجنب تكرارها في المستقبل.

الإشكالية لا تكمن في ارتكاب الأخطاء بحد ذاتها، بل في عدم الاعتراف بها، أو إنكار وجودها أصلاً. هذا التوجه يجعل البعض يركز على تبرير تصرفاته الخاطئة للآخرين، فضلاً عن تبريرها لنفسه، من دون التسليم بوجودها. من يتصرف بهذه الطريقة، يعتقد أنه قادر على تمويه الأمور، أو التغطية على السلوك الخاطئ الذي قام به. الأمر الذي يعقد المسألة، ويضيف خطأً جديداً إلى الخطأ الأساس الذي تم ارتكابه في المقام الأول. يضاف إلى ذلك، أن هناك من يخطئ، ولا يدرك أنه أخطأ؛ الأمر الذي يجعل المسألة أكثر تركيباً، إذا ما قورنت بحالة الشخص الذي يعرف أنه أخطأ، لكنه يُصر على عدم الاعتراف بخطئه.

ثقافة الاعتذار

إن عزوف البعض عن الاعتراف بأخطائهم، يعود إلى ضعف ثقافة الاعتذار لديهم، هؤلاء يعتبرون أن الاعتذار عن الخطأ مؤشر ضعف بالشخصية، ولا يعرفون أن العكس هو الصحيح. يضاف إلى ذلك أن الذي يخطئ ثم لا يعتذر، يعاني من سوء تقدير في التعامل مع حقائق الحياة، وتعقيدات جوانبها المختلفة، أو كما أسلفنا قد يكون يعاني من سوء إدراك للموقف، وبالتالي هو لا يعرف أنه قد أخطأ أصلاً. بالمقابل، من يعترف بالخطأ ثم يعتذر عنه، إنسان واقعي وعقلاني، يدرك بأن ارتكاب الأخطاء أمر لا يمكن تجنبه دائماً، صحيح أننا نجتهد كي لا نخطئ، لكن هذا الاجتهاد لا يحقق نتائجه المرجوة في جميع المواقف.

حلول

بالإمكان استثمار هذا المقال لطرح حلول عملية لمعالجة مشكلة ضعف ثقافة الاعتذار، وما يمكن أن ينتج عن هذه المشكلة من آثار جانبية سلبية يظهر أثرها في العلاقات الإنسانية بين البشر في البيوت، وأماكن العمل، والمدارس، والجامعات، وحتى في الأسواق والمحلات العامة. هذه الحلول يمكننا توضيحها من خلال مجموعة النقاط الآتية:

أولاً: على المستوى التربوي، ينبغي على الآباء والأمهات بذل الجهد في تعليم أبنائهم ثقافة الاعتذار، وذلك من خلال النصح والإرشاد اللفظي من جهة، والتطبيق السلوكي من جهة أخرى. والمقصود بالتطبيق السلوكي، هو قيام الأب أو الأم بتقديم الاعتذار إلى أبنائهم عندما يخطئون بحقهم، وذلك تطبيقاً لمنهج التربية بالقدوة.

ثانياً: على المستوى التعليمي، من المهم تضمين المناهج الدراسية موضوعات تتناول ثقافة الاعتذار، وذلك من زاوية توضيح المفهوم، والأهمية، والأهداف الخاصة بهذه الثقافة. مع التركيز على آثارها الإيجابية على العلاقات الإنسانية الرابطة بين البشر.

تدريب

ثالثاً: على المستوى الإداري، ينبغي على المؤسسات تدريب الموظفين على تقديم الاعتذار لزملائهم، ولمن يتعاملون معهم من أفراد الجمهور. فضلاً عن أهمية قيام المديرين بالاعتذار لموظفيهم في حال أخطأوا بحقهم، وذلك تطبيقاً لمنهج التدريب من خلال السلوك العملي.

رابعاً: على المستوى الإعلامي، لا بد لوسائل الإعلام التقليدي والإلكتروني أن تؤدي دورها في توعية أفراد المجتمع بأهمية بث روح ثقافة الاعتذار في المجتمع، وما يمكن أن تؤديه هذه الثقافة الإيجابية في تدعيم جسور الألفة والاحترام بين الناس.

خامساً: على المستوى الذاتي، ينبغي على الفرد أن يطور قيمة الاعتذار في شخصيته، ويقرأ عنها في الأدبيات المختلفة، ويجتهد في تدريب نفسه على الاعتذار عن الأخطاء التي يرتكبها، حتى وإن لم يكن مقتنعاً بشكل تام بما يقوم به. مع أهمية تدقيق الفرد بما يقوم به من تصرفات، خشية أن تكون هناك أخطاء تم ارتكابها بشكل غير متعمد.

قبل الختام.. نود الإشارة إلى أن من يدرك أنه أخطأ، ثم يصر على عدم الاعتراف بخطئه، هو يعتقد أنه في موقف قوي، ولا يدرك أن العكس هو الصحيح. يضاف إلى ذلك، أن هناك بعض الأخطاء، لا يكفي معها الاعتذار اللفظي، بل ينبغي أن يعقب ذلك رد الحقوق إلى أصحابها؛ في حال كانت الأخطاء المُرتكبة قد نتج عنها سلب حق من حقوق المتضررين بنتائجها.

ختاماً نقول.. الأقوياء يعتذرون، والضعفاء يبررون. لذلك ينبغي على الإنسان أن يقرر بوضوح مع أي فريق يريد أن يكون؟