اليوم لن يكون الموضوع بعيداً، بل قريباً على قلبي، لأنه يوم اللغة العربية، وذلك الذي يوافق الثامن عشر من كل ديسمبر.

سنتحدث اليوم عن أعرق اللغات، اللغة التاريخية والثقافية، تلك التي أذهلت الجن لقوله تعالى: «قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا»، والتي تفاخر بها الشعراء، حين قال الشاعر الأندلسي ابن زيدون في قصيدته:

قَدْ سَمِعتُ الكَلَامَ مَا تَدَانِيهِ ** إِلاَّ كَلَامَ العَرَبِ بَعْدَ العَربِ

وَسَمِعتُ البَيْتَ الَّذِي لاَ يُحَاكِيهِ ** إِلاَّ مِثْلَ العَرَبِ مِنْ قَبْلِ العَرَبِ

وفي تلك القصيدة يعبر ابن زيدون عن فخره باللغة العربية، ويصفها بأنها الكلام الذي لا يُضاهى.

لو قلبت صفحات كتاب، ووجدته باللغة العامية، فماذا سيكون رأيك فيه؟ أنا واحدة من الأشخاص الذين يرمونه على الفور، فأشعر بأنه كتاب ضعيف، ولن يرتقي لما أطمح له والعكس صحيح، فاللغة العربية الفصيحة تعطي قوة وجمالية في لغة الكتاب، ونلاحظ أن كثيراً من الكتاب والمثقفين يستخدمون اللغة العربية للتعبير عن قضاياهم الفكرية والاجتماعية والسياسية بطريقة تصل إلى مجموعة أكبر من الأشخاص، حيث تعتبر اللغة العربية جسراً للتواصل والتفاهم بين الشعوب والثقافات المختلفة.

اليوم ومع تطور التكنولوجيا والعولمة أصبحت اللغة العربية تواجه تحديات جديدة، وكلما مرت السنوات يزداد الأمر صعوبة، فاللغة التي كان يتحدث به آباؤنا، ويتواصلون بها معنا، تختلف عن اللغة، التي نحدث بها أنا وأنت أبناءنا، أصبح الوضع الآن أن الجملة التي قيلت تحتاج إلى ترجمة باللغة الإنجليزية، لتصل إلى عقل أطفالنا بشكل أوضح، لن أعمم، فهناك نماذج كثيرة من الأطفال ينبهر الفرد منا بطلاقة لسانهم، وأكبر دليل على ذلك مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد (تحدي القراءة العربي)، حيث يتم فيها تتويج أبطال وجيل قادم سيصون اللغة العربية، مهما واجهوا من تحديات.

 لنذكر أنفسنا بأهمية تعليم أبنائنا اللغة العربية، وألا نضع الحمل على المدارس فقط، فمن واجبنا أن نحدثهم باللغة العربية، والمدارس تعلمهم اللغات الأخرى، من واجبنا أن تكون قصة ما قبل النوم باللغة العربية وألا نهتم بالنحو والصرف، فهذا دور المعلم.

ولن ننسى الدور الكبير، الذي يقوم به مركز أبوظبي للغة العربية في تعزيز اللغة العربية، والاهتمام بها من خلال المعارض والفعاليات المختلفة، التي يقيمها المركز، ولا نستطيع أن نغفل عن عاصمة الثقافة ولا عن مجمع اللغة العربية بالشارقة، وغيرها من المبادرات، التي تقام في مختلف إمارات الدولة كلها في سبيل تعزيز لغتنا، والمحافظة عليها.

نحن أنجزنا الكثير بالسابق من علم وعلوم واختراعات، وذلك بفضل اللغة العربية، فلنكمل الأمر كما بدأناه.

تحتاج اللغة العربية فقط إلى الحفاظ على تراثها وتطويرها، لتواكب التحولات اللغوية والاجتماعية الحديثة، وعلى الجيل القادم أن يفهم بأن العربية هي أكثر من مجرد وسيلة تواصل، إنها تعبير عن هوية وتراث وثقافة، تحتاج إلى الاحتفاظ بها وتطويرها، لتظل صوتاً قوياً وجميلاً، يعبر عن العرب، ويعبر عنهم في العالم العربي، الأمر يتطلب وعياً لا أكثر من ذلك.