خطت أحد أكبر البيوت الاستشارية في العالم «ديلويت» خطوة كبرى، عندما قررت طرح روبوت دردشة للذكاء الاصطناعي التوليدي لنحو 75 ألف موظف في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط لإنشاء المواد اللازمة.
وذلك في محاولة لرفع الإنتاجية عبر تحسين وتسريع آلية إنتاج المستشارين للعروض التقديمية «باور بوينت»، وكتابة رسائل البريد الإلكتروني، والرموز والتصاميم وغيرها.
وقد أطلقت «ديلويت» خدمتها الداخلية «PairD» الخاصة بموظفيها في المملكة المتحدة في أكتوبر 2023، وهي خطوة كبيرة لتسريع جهودها نحو الاستفادة من خدمات الذكاء الاصطناعي، حسبما أعلنت «الفاينانشال تايمز».
ولأن المستشارين دقيقون في أعمالهم فقد حذرت الشركة موظفيها من أن تلك الأداة «قد تنتج معلومات غير دقيقة عن الأشخاص والأماكن والحقائق، فطلبت منهم بذل قصارى جهدهم للتحقق من أصالة وجودة المادة المقدمة».
ما فعلته «ديلويت»، أنها طورت الروبوت داخلياً بواسطة معهد الذكاء الاصطناعي التابع لها، على عكس الشركات المنافسة التي تعاونت مع لاعبين رئيسيين مثل منصة «ChatGPT» وغيرها.
يمكن استخدام أداة «PairD» في الرد على الرسائل الإلكترونية، وكتابة المحتوى المطلوب، وإجراء البحوث الأولية، وإعداد جداول الاجتماعات.
وقد بدأت شركات كبرى في استخدام خاصية الدردشة أو الذكاء التوليدي في مجالات أكثر دقة مثل القانون ومصلحة الضرائب وغيرها.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تسعى فيه الشركات المهنية نحو خفض التكاليف وسط تباطؤ الطلب على بعض خدماتها.
وقد أعلنت على سبيل المثال الشركات الأربع الكبرى «DELOITTE، إي واي، كيه بي إم جي، وبي دبليو سي» عن برامج تسريح موظفين في الأشهر القليلة الماضية.
وهو تحدٍ يواجه شتى القطاعات حول العالم. فما كان يقوله من استشرف المستقبل من أن الذكاء الاصطناعي سوف يلتهم مهناً عديدة، يبدو أنه قد ظهرت بوادره باكراً، ولكن هذه المرة من جهة أكبر الشركات big-four المالية والمحاسبية، وهو دليل قوي على جدية المشهد الذي تتغير ملامحه، ولا يبدو أن هناك تحركاً جاداً للاستفادة منه في منطقتنا.
عندما أقول «تحرك جاد»، أقصد أن الحكومات العربية في المقام الأول يفترض أن تستفيد من هذه التقنية ليس في التصريحات الصحافية الاستعراضية بل بمشروع جديد نرى جميعنا ملامحه وهي ترتسم على أرض الواقع.
فمثلما يجد الموظف أدوات مكتبية ومساعدين وبرمجيات في إدارته ينبغي أن يجد كذلك باقة كبيرة ومتنوعة من برامج الذكاء الاصطناعي يتم انتقاؤها بعناية فائقة حتى تشكل قيمة مضافة لكل إدارة.
وما يناسب قطاع من برامج قد لا يناسب قطاعات أخرى فنية تتطلب برامج أكثر كلفة ودقة بحيث ترتكز على الذكاء الاصطناعي.
ولحسن الحظ صار الذكاء يقوم بحسابات خاطفة مذهلة لحركة المرور، وحجم الحوادث، وتوقعات وقوع حوادث مميتة في منعطفات أو شوارع معينة.
هذا مثلا ما تحتاجه إدارة المرور، وليس فقط منصة دردشة حوارية. ويحتاج المعماريون والمهندسون مثلاً نظماً ذكية تصمم، وتراجع، وتدقق، بسرعة البرق وبأقصى درجات الدقة لجودة التصاميم، والإنشاءات، وسلامة المباني والطرقات وغيرها.
وهناك قطاعات تحتاج إلى الذكاء الاصطناعي، منها الرعاية الصحية حيث يمكن استخدامه في توليد نماذج تشخيصية دقيقة لبعض الحالات، وتحليل البيانات الطبية الهائلة، وتطوير الأدوية والعلاجات الجديدة.
ويمكن أن تتفتق أذهان المعلمين عن إبداعات عديدة إذا ما قدمنا لهم حزمة من الأدوات العصرية تقوي حضورهم في القاعات الدراسية، وكذلك الحال في القطاعات المالية والمصارف والاقتصادية والإعلامية وغيرها.
فإذا كانت شركات الاستشارات العالمية، قد أقدمت على خطوة مثل هذه فمن باب أولى أن تسعى البلدان العربية بما فيها الجهات الحكومية والخاصة إلى دمج الذكاء الاصطناعي في برامجها، ومشاريعها، ومحتواها وخطاباتها، وتصاميمها لرفع الإنتاجية وتسريع وتيرتها.