لم يكن سبب نجاح فيلم «إسماعيل يس في مستشفى المجانين» الذي أخرجه عيسى كرامة سنة 1958 بطلي الفيلم (إسماعيل يس وهند رستم) ولا مخرجه المتواضع القدرات أصلاً، ولا الممثلين المشاركين الآخرين مثل زينات صدقي وعبدالفتاح القصري ورياض القصبجي وفؤاد راتب (الخواجة بيجو)، ولا حتى كاتب القصة والسيناريو والحوار (عباس كامل) وإنما كان سر النجاح هو ممثل مغمور بدين اسمه «حسن أتلة» في دور مجنون يدعى «سي لطفي» يردد على مسامع بطل الفيلم أثناء احتجازهما في مصحة الأمراض العقلية عبارة «أصل أنا عندي شعرة ساعة تروح وساعة تيجي».
هذا ما اعترفت به بطلة الفيلم في كتاب «هند رستم.. ذكرياتي»، مضيفة أن الجمهور لا زال يتذكر تلك العبارة وصاحبها ويضحك لها إلى اليوم.
وبعد بروزه في هذا الدور وتعلق الجمهور به، استعان به عيسى كرامة مجدداً في فيلم «حماتي ملاك» عام 1959 ليؤدي دوراً فكاهياً ظريفاً لا يزال عالقاً في ذاكرة الملايين من عشاق السينما المصرية، وهو دور «غزال» الإنسان الأبله البائس الحال والشره للطعام الذي يعمل كصبي تابع للحانوتي خميس (إسماعيل يس) الذي يتندر عليه وقد رآه يأكل شيئاً قائلاً: «وديت جثة الميت فين يا واد ياغزال؟ أنت كلت المرحوم يا ابن المفجوعة؟»، ليرد عليه بلسانه الألتغ: «أبداً يا معلمي.. دي منبا يا معلمي» أي مربى.
وكرر دور نزيل مستشفى المجانين في فيلم «اقتلني من فضلك» للمخرج حسن الصيفي سنة 1965 حينما أجبر فؤاد المهندس على أن يجاريه في ترديد «أنا جوه البطيخة، ولّا بره البطيخة»، وكان أتلة قد قدم الدور نفسه أمام فؤاد المهندس ذاته في فيلم «اعترافات زوج» لفطين عبدالوهاب سنة 1964، حيث كانت اللازمة آنذاك «مافيهاش بيبي». ونراه في أواخر أيام حياته يعود لتقديم دور المجنون من خلال فيلم «سارق المحفظة» (1970) للمخرج زهير بكير.
كثيرة هي أفلام أتلة وأفيهاته الظريفة وأدواره الكوميدية ذات المساحات الصغيرة، والتي استثمر فيها خفة ظله ووجهه الطفولي المركب على جسد ضخم، وذلك منذ اقتحامه السينما لأول مرة من خلال فيلم «أحب الغلط» للمخرج حسين فوزي في عام 1942، وحتى آخر أفلامه وهو فيلم «الحسناء واللص» سنة 1971 للمخرج تجدي حافظ، مروراً بأفلام «كيلو 99» (1955)، و«خضرة والسندباد القبلي» (1951)، و«مغامرات خضرة» (1950)، و«ماكانش عالبال» (1950)، و«ليلة الحنة» (1950)، و«إديني عقلك» (1952)، و«إسماعيل يس في الجيش» (1955)، و«إسماعيل يس في البوليس» (1956)، وغيرها.
وهو لئن تألق في تجسيد دور المجنون والأبله، إلا أنه قدم أدواراً أخرى مثل المونولوجست وسائق التاكسي والعربجي والمراكبي والتمرجي والمكوجي والشاويش وصاحب السيرك وصاحب الحانة ورجل الزار.
ولد أتلة في بورسعيد سنة 1914، وبدأ حياته بائعاً ومؤجراً للآلات الموسيقية في شارع محمد علي بالقاهرة، ثم دخل السينما من بوابة الإذاعة التي كانت قديماً من أهم وأسهل وسائل الترفيه، حيث عرفه الناس من خلال البرنامج الشهير «ساعة لقلبك» من إذاعة القاهرة، وكذلك من خلال برنامج إذاعي كوميدي آخر كان يقدمه مع الفنان «حسان اليماني» تحت اسم «حسن وحسان».
وبعد أن حقق نجاحاً في الإذاعة اتجه نحو السينما في مطلع أربعينات القرن العشرين، واستطاع أن يشق طريقه من مجرد كومبارس إلى صفوف المبدعين الكبار في الخمسينات على يد المخرج فطين عبدالوهاب الذي استغل شكله الفيزيائي الغريب في أداء الأدوار البسيطة المضحكة بمعية نجوم الكوميديا الكبار من أمثال إسماعيل ياسين وعبدالسلام النابلسي وزينات صدقي وعبدالفتاح القصري وحسن فائق، فنجح نجاهاً باهراً إلى حد إطلاق اسم «هاردي السينما المصرية» عليه كناية عن الشبه الكبير بينه وبين الممثل الأمريكي «أوليفر هاردي» صاحب مسلسل «لوريل وهاردي» لجهة ضخامة البدن وصغر العينين فقط.
أما لجهة الدور فقد كانا مختلفين لأن أتلة سجنه المخرجون في أدوار العبط والجنون، بينما كان هاردي يؤدي دور الإنسان الذكي الذي يصحح بعصبية أخطاء زميله الأبله لوريل.
لكن المؤسف حقاً أنه حورب كثيراً ودبرت ضده المؤامرات لتحجيمه فلم تتح أمامه الفرصة الكاملة لإظهار كل مواهبه وقدراته. وهكذا رحل عن دنيانا في عام 1972 عن عمر ناهز 58 سنة دون أن يتم تكريمه ولو مرة واحدة، لا في حياته ولا بعد مماته.