انقضت سنة كبيسة بالأحداث ونستقبل عاماً كبيساً بالايام. ويقال إن السنة والعام مترادفات لغة، ولكنها مختلفة معنى.

فالسنة تدل على المشقة والعام على الرخاء. ويستندون في ذلك من قوله تعالى (تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا). «أي سبع سنين من العمل الشاق، وبذل الجهد.

كما جاء في أحد المصادر. ويشير المصدر نفسه إلى قوله تعالى (ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ). وبذلك يستدل على أن السنة تشير إلى الشدة وأن العام يشير إلى الرخاء في هذا السياق.

هل ما انقضت من أيام وشهور سنة أو عام بهذا المعنى للكلمة؟ شهد العام 2023 بعض الومضات الإيجابية.

فقد انتهت الجائحة رسمياً في جميع أصقاع العالم بعد ثلاث سنين عجاف أدخلت العالم في شبح الموت والتعثر الاقتصادي والاجتماعي.

ففي العام المنصرم عم التوافق بين الدول الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط وتحققت بعض الانفراجات غير المتوقعة.

حصل تقارب بين المملكة العربية السعودية وإيران وسويت بعض الخلافات وشرعت الدولتان في تبادل السفراء بعد انقطاع دام لسنوات.

وكما كان متوقعاً توصلت الرياض إلى تفاهم مع الحوثيين في صنعاء على وقف لإطلاق النار. وزار وفدان من البلدين العاصمة السعودية وصنعاء.

ولم تكن هذه المصالحة الوحيدة حيث كان هناك تقارب بين أنقرة والقاهرة. وبدت إيران في التقارب مع مصر ودول أخرى في المنطقة مما بشر بأعوام يسودها التفاهم والانسجام الإقليمي.

إضافة إلى ذلك فقد عمدت الدول العربية والجامعة العربية إلى إعادة تأهيل سوريا كعضو في النظام العربي الإقليمي بعد أن أقصيت إلى ما يزيد على عقد من الزمان. وحضرت سوريا ممثلة برئيسها بشار الأسد.

ولكن لم تكن السنة كلها من هذه الشاكلة، فقد ضرب زلزال قوي كلاً من تركيا وسوريا في فبراير بدرجة 7,8 من مقياس ريختر.

ولقي حوالي 55,000 حتفهم في كلا البلدين. وقد أثر هذا الزلزال على حياة حوالي 17 مليون نسمة. وكانت الخسائر المادية كبيرة. واستمرت الإضرابات النسوية في طهران والتي هددت النظام السياسي.

ولم تستطع إيران تجاوزها إلا بإنفاذ القانون وليس بالمساومة مع الاعتراض على الحجاب. ويبدو أن مسألة الحجاب لها رمزية كبيرة ضمن شرعية النظام الجمهوري الإسلامي لا يستطيع المساومة عليها.

ومن الكوارث الطبيعية الكبرى، زلزال فظيع ضرب المغرب بقوة 6,8 وأدى إلى مقتل عدة آلاف وخسائر تقدر بالمليارات. وتسبب الزلزال في أضرار للمناطق التاريخية والأثرية.

والأغرب في الكوارث الطبيعية الإعصار والفيضان الذي ضرب مدينة درنة الليبية. لم تشهد ليبيا من قبل أية حالة مشابهة بهذا الإعصار والذي أودى بحياة ما يربو على الأربعة آلاف شخص ودمر الإعصار البيوت التي جرفتها السيول دمرت سدين رئيسيين في أرجاء المدينة المفترض أن يمنعا السيول والفيضانات من التدفق نحو المدينة.

وفي السودان المكلوم والمثقل بهمومه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، اندلعت اشتباكات بين الخصمين اللدودين عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، ومحمد حمدان دقلو ـ الملقب بحميدتي قائد قوات الدعم السريع. والقتال كما يبدو صراع على السلطة بلبوس أيديولوجي بين الفريقين. وما زالت الحرب تدور رحاها.

وآخر المصائب كانت من نصيب غزة. فقد هاجم مقاتلو «حماس» إسرائيليين في منطقة غلاف غزة وقتلوا وأسروا جنوداً ومدنيين في صبيحة السابع من أكتوبر. وكالعادة كان رد إسرائيل مزلزلاً. واستمرت الحرب إلى ما بعد ختام السنة. ورغم محاولات الإمارات العربية المتواصلة لوقف الحرب من خلال عضويتها في مجلس الأمن، إلا أن الفيتو الأمريكي كان بالمرصاد.

لقد كانت سنة متعبة ومرهقة عسى أن نكافاً بعام تغاث فيه البشرية! وكما جاء في الأثر:

اشتدي أزمة تنفرج

قد آذن ليلك بالبلج