قبل أيام قليلة صادفت منشوراً على وسائل التواصل الاجتماعي لفنان إماراتي، عرف بمشاركاته المتميزة في مهرجان دبي لمسرح الشباب بصفة خاصة، يشير فيه إلى أن الفنان محمد غباش، هو صاحب الفضل الأول فنياً عليه، وسبب مواصلته درب الفن إلى اليوم، بعد أن وقف بجانبه وسانده عندما تعرض قبل سنوات لأزمة كبيرة، ودفعه لمواصلة الثقة في إمكاناته إثر إحباط كبير صادفه.

كتبت معلقاً أنه لو لم يقم غباش، الفنان الذي له العديد من المشاركات المهمة في الدراما الإماراتية والمصرية والأردنية، سوى هذا الموقف في مسيرته، لكفاه.

قام غباش بالرد على التعليق بجملة دمثة مجاملة كعادته، فكتب رداً على تعليقي: «دمت ذخراً للإعلام»، ثم رحل وغادر دنيانا بهدوء بعدها بأيام قليلة، رحيل مفاجئ أدمى قلوب أصدقائه، وهو الذي كان على موعد مع تصوير أعمال درامية عديدة.

عرفت غباش عن قرب، وجمعتنا جلسات وأسفار، وكنا على مواعيد مؤجلة دائماً للقاء في أماكن مختلفة، جمعية المسرحيين، أو مسرح الشارقة الوطني، ودبي الأهلي، لكن لقاء أيام الشارقة المسرحية، وعروض مهرجان المسرح العربي الخارجية، هي أكثر اللقاءات التي نجت من هذا التأجيل الذي لم يتوقف إلا بنبأ رحيله الموجع.

لم يكن الفنان الإماراتي الشاب صاحب التعليق هو الوحيد ممن حظوا بدعم الراحل، وإن كنت لا أجد غضاضة في تكرار تأكيدي، بأن أثراً حقيقياً في مسيرة شخص واحد، يكفي، فما بالنا بمن داوموا، بل وأتقنوا التأثير الإيجابي في الآخرين، ومد يد العون المترفقة، والمساعدة المجردة، أولئك هم أصحاب الأثر المستدام، وفق التعبير المعاصر، لكنه أثر مستدام لا علاقة له بالبيئة، أو الاقتصاد، وسواهما، بل بالإنسان، الذي هو محور كليهما، وأكثر.

أثر هؤلاء كأثر الفراشة لا يزول كما قال محمود درويش حينما وصف تأثيره على أحبته: أثر الفراشة لا يُرى، أثر الفراشة لا يزول لروحي أثر على من أحبهم كـأثر الفراشة، اترك أثراً جميلاً لا يرونه ولا يشعرون به، لكنه لا يزول أبداً، يذكرونه دائماً، ويذكروني.

يرحل الفنان، بل وجميع البشر، ويبقى الأثر الطيب، خالد الذكر، خالد التأثير في دنيانا، رحم الله الراحل، ورحم كل صاحب أثر طيب في حياة الآخرين، وشكراً لأولئك الذين اعترفوا بالفضل، ولم ينسوا أصحاب القلوب البيضاء التي احتوتهم في أول المشوار، والأيادي الحانية التي لازمتهم عندما احتاجوا إليها.