تم تقييد الوصول إلى مسرح جريمة باستخدام شريط أصفر كتب عليه: «هنا يقع وكر الأفاعي، ممنوع العبور في تلك المنطقة»، حتى يتم ضمان الحفاظ على الأدلة، التي هي بمثابة الشاهد الناطق عن أفعال بعض الجهلة، الذين لا بد أن يتركوا خيطاً في مسرح الجريمة، يكشف لنا عن مدى ضحالة ودناءة بعض العقول، التي سممت نفسها بالفكر المتخلف حتى يقعوا في دائرة المتهمين الرئيسيين، إلى أن يصبحوا تحت عينة المجهر، التي لا يوجد منها مفر بتاتاً. في مسرح تلك الجريمة لا يوجد تهاون عن أي تفصيل شوهد في ذلك المشهد، حيث يتم الكشف عن آثار فعلتهم الدنيئة، وحتى لو تخبأوا تحت أقنعة مزيفة.
ولكن لا بد أن تسقط تلك الأقنعة، وتظهر الوجوه الحقيقية، التي ارتدت رداء الجحود والنكران حتى وصلت إلى أعلى مراتب الدناءة والوضاعة، حيث توضح حينها أنهم تخلوا عن انتمائهم لأوطانهم مقابل تنفيذ أفكارهم البشعة، التي تتضمنها بيع الأمانة، حيث إن الخيانة تسري في دمائهم، فهم يعيشون في مياه ضحلة حتى يبدأوا شيئاً فشيئاً، ويغرقوا فيها إلى أن يكتب على ذلك الملف الأسود «الجريمة التي لا تغتفر».
هؤلاء بائعو الأمانة، يفتقدون للهوية الوطنية والانتماء والإخلاص لأوطانهم، فالخائن يكون مستعداً لبدء مسيرة الخضوع المطلق والانطلاق نحو الطريق المجهول حتى يبقى متسيداً على عرش الوهم المميت، لكنهم لا يعلمون أنهم حينما يصلون إلى تلك المرحلة فهم تخلوا عن عزتهم وكرامتهم وشرفهم مقابل أفكار شيطانية مسمومة، يسعون من خلالها إلى تنفيذ خططهم الإجرامية ظناً منهم أنهم يستطيعون الفرار من العدالة، ولكن العدالة تقف أمامهم بالمرصاد حتى تنتشلهم من جذورهم، فخيانة الأوطان نجاسة لا تستطيع بحار الأرض تطهيرها، لأنها نثرت رائحتها النتنة في تلك الأرجاء.
خيانة الوطن أشد فتكاً من العدو بذاته، اخسر ما شئت في قاموس حياتك، ولكن إياك أن تخسر وطناً عشت به بعز وكرامة وأمن وأمان، حيث قال أحد المخلصين: إن بعض الأوطان لا تموت من قذائف العدو، ولا من شر الحروب، بل إنها تموت من خيانة أبنائها لها. أمن البلاد خط أحمر غير قابل للمساس بتاتاً، فمن تسول له نفسه العبث بأمن البلاد فسوف تكون نهايته كنهاية تلك القصة.
حينها يسدل الستار عن مسرح تلك الجريمة، وينكشف السر الصامت، وتنبثق كافة الأدلة، التي تدين المتهمين في خيانة أوطانهم، وتسرد لنا مطرقة القاضي نهايتهم، وتكون قصتهم عبرة لمن لا يعتبر، فمسرح الجريمة هو مستودع الأسرار المدفونة، الذي لا بد أن يأتي يوم ويرفع عنه الغطاء.