مع احتفالات الهند هذا الشهر بمرور ثلاثة أرباع القرن على إعلان الجمهورية في السادس والعشرين من يناير من سنة 1950، يتردد سؤال «هل سيحتفظ حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم بزعامة رئيس الحكومة ناريندرا مودي بالسلطة للمرة الثالثة على التوالي في الانتخابات العامة المقبلة المقرر إجراؤها في مايو من العام الجاري؟
كل المؤشرات تفيد بأن مودي سيفعلها مرة أخرى وسيفوز وسيواصل زعامته للهند التي بدأها في سنة 2014، مستفيداً من غياب منافس قوي، وتشتت الأحزاب الهندية الأخرى، ناهيك عن تعويله على الإنجازات التي حققها لبلاده في السنوات الماضية، فمنافسه التقليدي على الزعامة ممثلاً في راهول غاندي، زعيم حزب المؤتمر الوطني المعارض تعرض للطرد من البرلمان الاتحادي في مارس من العام الماضي بعد إدانته بتهم التشهير.
وعلى الرغم من أن المحكمة الفيدرالية العليا برأته وأعادته إلى مقعده، فإنه تعرض لمهانة جعلت أتباعه ينظرون إليه أنه قائد ضعيف.
ولئن شكل طرد غاندي من البرلمان تحفيزاً للمعارضة المنقسمة على توحيد صفوفها عبر تشكيل جبهة معارضة موحدة، إلا أن هذا التحالف فشل في الثبات، بدليل هزيمته في الانتخابات التشريعية المحلية على مستوى الولايات في نوفمبر الماضي، إذ خسر في ثلاث ولايات شمالية مهمة لأن حزب المؤتمر رفض تقاسم المقاعد مع حلفائه المفترضين، ولم يحقق سوى نجاح ضئيل تمثل في استعادة ولاية كارناتاكا الجنوبية من غريمه (بهاراتيا جاناتا) وفوزه بحكم ولاية تيلانغانا الصغيرة في جنوبي البلاد أيضاً، أما الإنجازات التي تشفع لمودي بحصد أصوات الهنود والبقاء في السلطة فكثيرة، سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الخارجي، ويكفي دليلاً أن حزب بهاراتيا جاناتا فاز بمعظم انتخابات الولايات في سنة 2023.
وإذا ما دخلنا في التفصيلات نجد أنه نجح في تحقيق صيت فضائي لبلاده بإنزال مركبة هندية على سطح القمر لأول مرة في تاريخ البلاد، وأكد طموح الهند إلى منافسة الصين اقتصادياً بتحقيق أرقام عالية في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، ناهيك عن منافستها لمبادرة الحزام والطريق الصينية بنجاحها في إقناع الولايات المتحدة ودول شرق أوسطية أخرى بإطلاق مشروع طريق تجاري جديد يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، وأما على صعيد السياسات والشؤون الخارجية فقد نجح مودي في وضع بلاده في بؤرة الأحداث العالمية عبر موازنة تحالفاتها مع القوى العالمية والإقليمية المتنافسة، ويشهد على ذلك توقيع الهند اتفاقية تعاون دفاعي تاريخية مع الولايات المتحدة في يونيو المنصرم من جهة، واستضافتها في الشهر التالي اجتماعات منظمة شنغهاي للتعاون التي تعد تكتلاً أسسته وتقوده الصين من جهة أخرى، ودورها السياسي المؤثر في مجموعة «بريكس» التي تضم أقطاراً ليست على ود مع واشنطن مثل روسيا والصين من جهة ثالثة، واستضافتها الناجحة لقمة مجموعة العشرين في سبتمبر من سنة 2023 من جهة رابعة، علاوة على احتفاظها بعلاقات تعاون وشراكة وطيدة مع القوى الإقليمية الكبرى مثل دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وجملة القول إن الطريق سالك أمام مودي لتكرار ما فعله في الانتخابات العامة في سنتي 2014 و2019، ما لم يحدث طارئ يقلب الموازين لغير مصلحته.
وعلى حين يؤكد المراقبون هذا، تبني أحزاب المعارضة الهندية، وفي مقدمتها حزب المؤتمر الوطني، آمالها في هزيمة بهاراتيا جاناتا وزعيمه مودي على إجراءات نسبت لإدارته وأثارت سخطاً ضده من قبل الرأي العام الهندي مثل اتهام كندا والولايات المتحدة للهند بملاحقة واغتيال النشطاء السيخ في الشتات من أولئك الساعين إلى إقامة دولة منفصلة عن الهند في ولاية البنجاب باسم خالستان، ومثل تعريض القوة الهندية الناعمة للخطر عبر سياسة حظر صادرات الأرز التي بررتها حكومة مودي بمخاوفها من ارتفاع أسعارها في الداخل، ومثل محاولة إسقاط اسم الهند لمصلحة الاسم السنسكريتي القديم بهارات (على الرغم من اعتراف الدستور بكلا الاسمين)، ناهيك عن مزاعم بتعرض مستخدمي الإنترنت والفنانين ورموز المجتمع المدني إلى ضغوط لمنعهم من التعبير عن آرائهم، ولا سيما في ولاية جامو وكشمير التي ألغت الحكومة ما كانت تتمتع به سابقاً من استقلال ذاتي.