قد يتفاجأ القارئ بعنوان المقال، ويتساءل هل يعقل أن تكون هناك ثمة علاقة بين ملحن روائع كوكب الشرق ومطربة شعبية اشتهرت بالأغاني الخفيفة مثل أغنية «الطشت قاللي/ قومي استحمي»؟
والحقيقة أن مؤدية تلك الأغنية المطربة «عايدة الشاعر» (1940 ــ 2004) التي كان لها حضور طاغ في مصر في فترة الثمانينات، إلى درجة أن أفراح تلك الحقبة كانت لا تخلو من إحدى أغانيها، اكتشفها الموسيقار رياض السنباطي، بل وقدم لها الألحان الرومانسية، وأطلق عليها لقب «فاكهة الغناء الشعبي»، قبل أن تتجه إلى أداء الأغاني الخفيفة على يد الملحن علي إسماعيل (1922 ــ 1974) وتحصد الشهرة في الأوساط الشعبية والأرياف.
يروي لنا عادل السنهوري في صحيفة «اليوم السابع» المصرية (11/4/2023) قصتها مع السنباطي فيقول ما مفاده إن السنباطي كانت تربطه صداقة مع والدها بحكم انحدار كليهما من «المنصورة»، وكان يزوره في منزله فتعرف على صوت ابنته الكبرى الجميل وتنبأ لها بمستقبل فني كبير، إلا أنها تزوجت فانتهت القصة عند هذا الحد.
ويضيف السنهوري أنه بعد عدة سنوات التقى السنباطي بأختها (عايدة الشاعر) بدار الإذاعة المصرية أثناء مشاركتها في برنامج مسابقة الهواة (البيانو الأبيض)، وكان السنباطي مكلفاً وقتها مع بليغ حمدي ومحمد الموجي بامتحان أصوات نحو 300 فتاة، وحينما جاء دور عايدة امتحنها السنباطي الذي تحمس لها واقتنع بأدائها بعد أن غنت أمامه «تهجرني بحكاية» لفايزة أحمد و«ح أقولك حاجة إسمعها» لوردة الجزائرية و«مظلومة يا ناس» لسعاد محمد. وهكذا حصلت على المركز الأول، وقرر السنباطي أن يلحن لها أغنية «أسهر أفكر فيك» من كلمات صالح جودت، كما لحن لها فيما بعد أغنية «يا غالية» التي أدتها كدويتو مع المطرب عبداللطيف التلباني.
في السنوات التالية قدمت نحو 500 أغنية شعبية فلكلورية ناجحة بفضل صوتها الجميل وحسن أدائها وتعاونها مع أشهر كتاب الأغنية الشعبية في مصر مثل: محمد حمزة وعبدالرحمن الأبنودي وصلاح جاهين وعبدالرحيم منصور ومجدي نجيب ومحمد حلاوة، ناهيك عن تعاونها مع ثلة من كبار الملحنين مثل: عبدالعظيم محمد وجمال سلامة وحلمي بكر وأحمد صدقي ومحمود الشريف وسيد مكاوي وبليغ حمدي وفاروق وصلاح الشرنوبي، علاوة على الملحن علي إسماعيل الذي كان له دور أساسي في شهرتها بعد «الطشت قاللي»، والملحن والمطرب سيد إسماعيل الذي تزوجها وأسس معها شركة «راندا فون» وعرف كيف يستغل موهبتها من خلال توجيهها نحو أغاني الأفراح والمرح.
ولدت عايدة بمدينة المنصورة في 20 أكتوبر 1940، ونشأت في أسرة اشتهر معظم أفرادها بالصوت الجميل وعشق الموسيقى، ولا سيما والدتها التي كانت تجيد ترتيل القرآن بصوتها المميز، وشقيقها الأكبر الذي أجاز العزف على أكثر من آلة.
درست عايدة اللغة الفرنسية فعملت أولاً كمترجمة بإدارة رعاية الشباب، ثم التحقت بالعمل كمُدَرّسَة لغة فرنسية ومواد اجتماعية في إحدى المدارس، وكثيراً ما كانت ترافق شقيقها إلى نادي المنصورة لتغني على مسرحه.
ساعدها الملحن علي إسماعيل في تسجيل أغان من ألحانه مع «فرقة رضا للفنون الشعبية»، الأمر الذي زاد من شهرتها ونجاحها في مصر والبلاد التي تجولت فيها الفرقة. وهذا جعلها تستقيل من وظيفتها في سلك التعليم وتتفرغ للغناء، خصوصاً بعد أن استمع إليها عبدالحليم حافظ وأعجب بصوتها واختارها لترافقه في حفلاته في البلاد العربية.
تعرضت أغنيتها «الطشت قاللي» للكثير من النقد بسبب كلماتها التي رأى فيها البعض إسفافاً وانحداراً في الذوق العام والقيم، إلا أن قيمة هذه الأغنية، طبقاً للناقد عادل السنهوري، أنها وظّفَت بشكل صحيح عندما غنتها صاحبتها ضمن أحداث فيلمها السينمائي الوحيد سنة 1971، وهو فيلم «ثرثرة فوق النيل» للمخرج حسين كمال عن رواية لنجيب محفوظ، حيث إنها كانت ملائمة لإيصال فكرة إلى أين وصل الانحدار والسطحية بالغناء بعد هزيمة 1967.
والجدير بالذكر أن عايدة فازت بالمركز الثاني في مسابقة الأغنية الشعبية في اليابان سنة 1970، التي اشتركت فيها 40 دولة، حيث غنت يومها للمغني المصري اليوناني (أندريا رايدر).