بعد أن تم إنجاز تطوير أسواق ديرة قام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بزيارة لمنطقة الراس بديرة، تفقد سموه فيها إنجاز بلدية دبي لمشروع تطوير الأسواق القديمة، والتي شملت السوق الكبير، الذي كانت الإمارات تعتمد عليه بمد تجار التجزئة بالمواد الغذائية، وسوق الأدوية الشعبية، وسوق المواعين، وأسواق القماش والسلاح، والفحم، وغيرها مما كان المجتمع يحتاج إليه من سلع وخدمات.

تلك الزيارة جعلت من في المحلات من باعة ومتسوقين ومارة يندهشون من وجود الحاكم بينهم، من دون حراسة، وذلك على غير ما ألفوه في بلدانهم في جولات القادة والمسؤولين. لقد صور الناس وتناقلوا خبر الزيارة عبر الرسائل النصية، وسمع صوت شخص من الجنسية الهندية يقول لصاحبه ما معناه (هذا شيخ دبي الكبير يمشي دون حراسة).

تلك الزيارة جعلت الكثيرين يفكرون بزيارة المنطقة، وعلى الخصوص الذين عاشوا بتلك المنطقة أو قريباً منها، فالعودة إلى الجذور تشغل بال الجميع. وفي الأسبوع الماضي قمنا بزيارة المنطقة نستذكر حواريها ومعالمها التي تم تطويرها، وبمقدار فرحنا بذلك الإنجاز انتابتنا الحسرة أن تلك المحلات التجارية لم يعد بها من أصحابها أو ذريتهم إلا نفر قليل، مخزن الرياضة به موظف، متجر لطيفي به صاحبه وموظفوه، محل الحاج ناصر به أولاده، الخياط الوطني موجود ابنه، محلات عائلة العطار ما زالت اللافتات تحمل أسماءهم، ومحل محمود عبدالرحيم للملابس الرجالية موجود كما هو، أما الباقي من المحلات فقد تغير ملاكها وتغير نشاطها، المخزن الشرقي الذي كان به المرحوم محمد الموسى، والذي هو واجهة السوق تغير المالك، وتبدلت البضاعة من ساعات رادو، وأقمشة هيلد الإنجليزية إلى عطارة وخردوات، وقس على ذلك باقي المحلات.

في تلك المنطقة زرنا (متحف بيت الشاعر مبارك بن حمد العقيلي)، الذي اعتنت به البلدية وجعلته متحفاً، استفادت فيه من جهود المرحوم يوسف الخاجة، الذي كان محتفظاً بكل مقتنيات الشاعر، الذي احتفظ بها بعد وفاته عام 1954 وفاء للشاعر، الذي رباه هو وشقيقه المرحوم محمد هادي، وسلمها إلى البلدية، ما جعل المتحف يشعرك بوجود صاحبه من خلال المقتنيات المتنوعة.

بعد ذلك ومن خلال شارع (سكة الخيل)، سوق الذهب حالياً، اتجهنا إلى متحف المرأة (بيت بنات غانم) سابقاً، الذي اشترته الدكتورة رفيعة غباش، لتجعل منه ذاكرة للمرأة الإماراتية السياسية، والشاعرة والمعالجة والأديبة والاقتصادية، وغيرها، وعرضت به صوراً لرجالات ذلك الزمن الجميل بحي الشمال، عند المدخل جناح للمغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، جناح والدتها عوشة بنت حسين، وجناح للشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي «فتاة العرب».

وفي رحلة العودة إلى حيث بدأنا لركوب السيارات مررنا لشراء بعض الأدوية الشعبية لمن أراد.

وأود الإشارة في العودة إلى بداية هذه الجولة المطرزة بالحنين، إلى أننا شربنا العصائر الطازجة من محل جعفر، لنبدأ الرحلة بشيء من الطاقة.

وكان حبورنا كبيراً، خلال محطات الجولة إياها، برؤية وجوه من جنسيات مختلفة، يبدو من أشكال أصحابها وثيابهم وسحناتهم ولغاتهم أنهم ينتمون إلى بلدان مختلفة، وهذا ما يؤكد أن بلادنا قبلة للسياحة والتجارة، إلا أننا في الوقت نفسه لم نلتقِ أحداً من المواطنين، مما حدا بأحد الرفاق أن أطلق على مجموعتنا (السياح المواطنون).

أخلص من ذلك بدعوة إلى الأخوة المواطنين بأن يعودوا إلى تلك المواقع القديمة في جميع الإمارات، في زيارات متكررة، لنؤكد أن هذه الأجزاء من الوطن لا تزال عزيزة علينا، وأن ذاكرتنا لن تنساها، وأن هذا الوطن له سكانه من المواطنين.