ما يقدمه الإنسان من أعمال ونشاطات، وما يقوم به من سلوكيات وتصرفات، يجد أثره لاحقاً، سواء كان ذلك الأثر مباشراً أم غير مباشر.

لذلك يمكن القول، ومن وجهة نظر منطقية، بأن ما يزرعه الفرد، عاجلاً أم آجلاً، وفي الغالب سوف يحصده؛ لذلك يقال بأن الحصاد من جنس الزراعة. من هذا المنطلق ينبغي على الإنسان أن يحرص على ضبط المقدمات من خلال الانتقاء الجيد للأرض التي يود أن يزرع فيها نشاطاته، فضلاً عن الاختيار المدروس لتلك النشاطات، ومزاولتها بشكل متقن؛ وصولاً إلى تحقيق ثمرة مرغوبة، تعبر عن النتيجة الإيجابية المستهدفة. 

عملية ضبط العلاقة بين المقدمات والنتائج ينبغي أن تكون مخططة، بعيدة عن العشوائية، وكذلك منظمة، بعيدة عن الفوضى. أي لا بد من الاجتهاد في دراسة وتحليل العوامل والمتغيرات ذات العلاقة بعناية وعقلانية، وعلى الفرد ألا يستغرب من أي خواتيم تأتي متوافقة مع مُقدمات اختارها بنفسه، وبشكل طوعي. 

بناءً على التقديم المعرفي السابق، سوف نعمد من خلال الفقرات التالية إلى طرح مجموعة من الأمثلة العملية التي نستهدف منها توضيح فكرة المقال القائمة على ضبط العلاقة بين المُقدمات والنتائج «الزراعة والحصاد»، علماً بأن الأمثلة المطروحة تتناول جوانب حياتية عامة، وجوانب أخرى إدارية ومؤسسية. 

أولاً، من يزرع اهتماماً؛ يحصد ودّاً: من يهتم بشخص بصدق، ويبذل في سبيله من جهده ووقته، يستطيع أن يتوقع منه وداً، وتفاعلاً إيجابياً. علماً بأن الاهتمام الملموس، مقدم في أهميته على مشاعر المحبة الداخلية التي لا تتوفر بشأنها شواهد وبراهين عملية. 

ثانياً، من يزرع تفاؤلاً؛ يحصد سعادة: الإنسان الذي يبث روح الإيجابية، والتفاؤل الواقعي في المحيط البيئي الذي ينتمي إليه، يحصد سعادة يستطيع ملاحظتها لدى الأشخاص الذين يتعامل معهم بشكل مباشر، وغيرهم من المتأثرين بتصرفاته وقراراته. 

ثالثاً، من يزرع وعياً؛ يحصد معرفة: من يجتهد في نشر الوعي، والمعلومات الدقيقة في شتى الوسائل المتاحة؛ يمكن أن يجد أثر ذلك الوعي في معرفة الناس وتصرفاتهم. إذا ما انتشر الوعي في محيط معين، ستكون له انعكاسات إيجابية على مُفردات الحياة بشكل عام. 

رابعاً، من يزرع حرصاً على نظامه الغذائي والرياضي؛ يحصد صحة جيدة: كل من يواظب على تناول غذاء صحي، مع ممارسة منتظمة للرياضة، إلى جانب ضبط ساعات النوم؛ يمكن له توقع الحصول على صحة مميزة، ولياقة بدنية جيدة. 

خامساً، من يزرع اجتهاداً؛ يحصد نجاحاً: الموظف الذي يعمل باجتهاد، والطالب الذي يذاكر بمثابرة، والتاجر الذي يتقن فن البيع والشراء، وغيرهم، من المنطقي أن يتوقعوا النجاح في تحقيق أهدافهم، وإنجاز غاياتهم.

سادساً، من يزرع إرشاد وتوجيه جيد؛ يحصد إنجازاً للأهداف: المدير الذي يعمل على إرشاد وتوجيه الموظفين، ويضبط طرق وأساليب التواصل الفعال معهم، ويجتهد في تدريبهم على أداء أعمالهم وواجباتهم؛ يستطيع أن يتوقع منهم إنجازاً للأهداف المطلوبة بمستوى عالٍ من الجودة.  

سابعاً، من يزرع جودة في المنتج؛ يحصد رضا من المتعاملين: المؤسسات التي تحرص على جودة المنتجات أو الخدمات المقدمة للمستفيدين، تحصد مشاعر رضا وسعادة من المتعاملين، وأفراد الجمهور باختلاف أصنافهم. 

في مقابل النقاط الـ 7 السابقة، يمكن القول إن العكس بالعكس. أي أن من يزرع سلوكاً ذا منحى سلبي، ينبغي عليه أن يتوقع الحصول على نتيجة سلبية تتوافق مع ما تم زرعه. 

ختاماً نقول، إن فكرة مقال اليوم تقوم على مبدأ الربط المنطقي والموضوعي بين المقدمات والنتائج، بمعنى أن ما نزرعه من قرارات وتوجهات يعبر عن مدخلات.

وما نقوم به من سلوكيات وتصرفات يعبر عن عمليات، وما سنصل إليه بإذن الله يمثل المحصول أو المنتج النهائي. هذا الربط بطبيعة الحال يعبر عن القاعدة التي قد يكون لها أحياناً استثناءات، تظهر بسبب عوامل ومؤثرات جانبية خارجة عن السيطرة، ولكن على الرغم من هذه الاستثناءات المحتملة، لا بديل عن الأخذ بأسباب العمل الإيجابي، مع التوكل الصادق على الله عز وجل، ومنه سبحانه تيسير الأمور.