كثيراً ما تنشب الخلافات بين أركان أغنية ما قبل أو بعد إطلاقها لأسباب مختلفة، فيكون اللجوء إلى القضاء للفصل والحسم هو الخيار الوحيد. من هذه الأغاني قصيدة «يا مالكاً قلبي» التي غناها عبد الحليم حافظ سنة 1973 من ألحان الموسيقار محمد الموجي، وكان سبب وصولها إلى ساحات القضاء هو خلاف احتدم بين كاتب كلماتها الأصلي وهو الشاعر المصري أحمد مخيمر من جهة وبين حليم الذي أداها والأمير الشاعر عبدالله الفيصل الذي نسبت القصيدة إليه من جهة أخرى.
واستمر الخلاف لسنوات طويلة إلى أن قال القضاء كلمته سنة 2001 عبر حكم لصالح مخيمر، بعد أن كان كل من مخيمر والموجي وحليم قد رحلوا إلى جوار ربهم في الأعوام 1978، 1995، 1977 على التوالي، بينما رحل الأمير عبدالله الفيصل بعد صدور الحكم بست سنوات.
تقول وقائع القصة، طبقاً للمنشور بالصحافة المصرية، أن مخيمر، وهو شاعر مصري من مواليد محافظة الشرقية سنة 1914، ومن رواد مدرسة أبولو الشعرية، واشتهر بعد نظمه لقصيدة «وطني وصباي وأحلامي» الوطنية التي غنتها نجاة الصغيرة بمشاركة المطرب الناشئ عبد الرؤوف إسماعيل في مطلع الخمسينيات، وممن امتهنوا الكتابة في مجلة «الثقافة» المصرية بصفة شهرية.
هذا الشاعر أعجب ذات مرة بموشح أندلسي قديم مطلعه «يا مالكاً قلبي»، ربما كان لشاعر غرناطي مجهول، فأضاف إليه بعض الأبيات الطويلة ونشرها في الخمسينيات تحت عنوان «أهلي على الدرب» في ديوانه الموسوم «الغابة المنسية»، بل قام بتسجيل الموشح باسمه لدى جمعية المؤلفين والملحنين المصرية سنة 1965. وفوق ذلك أخبر اتحاد الكتاب بالأمر زمن رئاسة الكاتب ثروت أباظة للاتحاد.
كان الموسيقار محمد الموجي، المعروف بعشقه للموشحات القديمة، يبحث في مطلع الستينيات عن كلمات يلحنها للمطربة نجاح سلام، فوجد ضالته في موشح «يا مالكاً قلبي» التي غنتها الأخيرة كاملة سنة 1963، لكن الأغنية لم تحقق وقتها نجاحاً كبيراً.
بعد عشر سنوات، وتحديداً قبل حفلة الربيع عام 1973، أراد عبد الحليم حافظ أن يغني موشحاً قديماً، فلجأ إلى صديقه الموجي الذي تذكر أنه لحن «يا مالكاً قلبي» لنجاح سلام، واقترح على حليم إعادة غنائه مع بعض التعديلات.
وقتها كان حليم على علاقة قوية بالأمير الشاعر عبدالله الفيصل فطلب منه أن يكتب بعض الكوبليهات، فأقدم على كتابة كوبليه واحد فقط هو «قل لي إلى أين المسير» وتوقف عند ذاك. وعليه لم يجد حليم بداً من البحث عن مخيمر والاتصال به من أجل أن يكتب باقي الكوبليهات، وبالفعل التقى الرجلان بوساطة من الشاعر والزجال «طاهر أبو فاشا»، لكن اجتماعهما لم يثمر عن شيء سوى غضب مخيمر من التلاعب بقصيدته المسجلة باسمه ورفضه للكوبليه الذي كتبه الأمير الفيصل، ومطالبته عبد الحليم بحذفه، وهو ما لم يفعله حليم خوفاً من غضب الأمير.
لاحقاً تدخل الشاعر كامل أمين واستطاع أن يقنع مخيمر بأن يكتب أربع كوبليهات جديدة ويقدمها لحليم، إلا أن حليم وافق على اثنين منها فقط، ثم سارع في عمل البروفات كي تكون الأغنية جاهزة لحفلة الربيع.
في يوم الحفل، حضر مخيمر برفقة أسرته للاستماع إلى الأغنية، فتفاجأ أن حليم يقدمها للجمهور على أنها من كلمات الأمير عبدالله الفيصل، دون أدنى إشارة إلى اسمه، فغضب غضباً شديداً لكنه كتمه. ثم زاد غضبه وحزنه بعد أن صدرت الصحف والمجلات القاهرية الفنية وهي تشيد ببراعة الأغنية وقوة كلمات الأمير وشاعريته الفذة.
لم يجد مخيمر مفراً من الاتصال بحليم والموجي للتنفيس عن غضبه والمطالبة بحقوقه. غير أن كليهما تهربا من مكالماته الهاتفية. وعليه اضطر أن يرفع قضية ضد حليم في المحاكم، وسانده في ذلك كل من «طاهر أبو فاشا» و«كامل أمين» و«ثروت أباظة» الذين كانوا على علم كامل بوجود «يا مالكاً قلبي» منشوراً في ديوان مخيمر المشار إليه.
هنا حاول حليم أن يدفع مبلغاً مالياً لمخيمر من أجل التنازل عن القضية، فرفض مخيمر وطالب بحقه وأن يكتب اسمه على شرائط الكاسيت الصادرة عن شركة صوت الفن المملوكة لحليم بدلاً من اسم الفيصل. ولعل ما وتر الأجواء أكثر وجعل مخيمر يصر على موقفه هو ظهور حليم في لقاء تلفزيوني، ليقول إن هذه القصيدة من تأليف شاعر أندلسي وأنه وجدها مكتوبة في كتاب الأغاني للأصفهاني، وبالتالي فهي ليست ملكاً لأحد.