يتزامن، حالياً، حديث عن بدء الكونجرس الأمريكي ممارسة الضغط على البيت الأبيض من أجل الإشراف على كيفية استخدام دولة إسرائيل للأسلحة التي تتلقاها كمساعدات من الولايات المتحدة الأمريكية والتي تقدر بـ(3.3) مليارات دولار سنوياً، وذلك على خلفية ردود الفعل التي حصلت بشأن انتهاكها لقانون حقوق الإنسان في حربها ضد غزة، مع حديث سياسي عالمي متعدد من بريطانيا وإسبانيا والعديد من دوائر صناعة القرار في العالم عن الرغبة في إقامة الدولة الفلسطينية.
قد يكون إجراء الكونجرس الأمريكي الذي جاء بناءً على مقترح تقدم به (19) عضواً من خلال استجواب وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، مبنياً على القلق من احتمال إثارة مادة في القانون الدولي لحقوق الإنسان وهو تواطؤ دولة مع دولة أخرى في جريمة انتهاك حقوق الإنسان، وهنا المقصود الولايات المتحدة بالشراكة مع إسرائيل، وقد تم إثارة هذه الفكرة من خلال الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا، وبالتالي، فاحتمالات إثارة هذا البند لن تقلق واشنطن لوحدها، وإنما دول أخرى في العالم، ولكن بلا شك إقامة الدولة الفلسطينية هو مشروع متفق عليه منذ بدء مفاوضات أوسلو 1993، حيث قبلت دول العالم ومنها إسرائيل وجود وفد يمثل الشعب الفلسطيني في هذه المفاوضات، وهو ما يدل على الاعتراف الضمني بدولة فلسطينية، وبالتالي، فالإجراء يحتاج تفعيلاً من خلال موقف فلسطيني موحد، ومن أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة هناك 138 دولة تعترف بدولة فلسطين، وهي عضو مراقب في الأمم المتحدة منذ 2012.
أكثر دولتان لهما علاقة بمجريات تطور القضية الفلسطينية منذ تأسيس إسرائيل إلى اليوم هما الولايات المتحدة وبريطانيا، صاحبة وعد بلفور في عام 1917 ثم رعاية ذلك الوعد لحين التنفيذ في 1948 في المراحل الأولى لتراجع الدور البريطاني في العالم بعد حالة الانهاك التي أصابت أوروبا بأكملها من جراء الحرب العالمية الثانية، التي أعادت ترتيب النظام الدولي بظهور الدولة الجديدة المسيطرة على السياسة الدولية وهي الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أصبحت وريثة للسياسة البريطانية في العالم وتحديداً في أماكن تواجدها في العالم ومنها إسرائيل التي انتقل «ملف دعمها» ليكون بيد واشنطن وما زال مستمراً إلى الآن.
لدى هاتين الدولتين القدرة على التأثير في السياسة الإسرائيلية حتى وإن اعتقد بعضنا أن إسرائيل هي المتحكمة بصناعة القرارات في هاتين الدولتين من منطلق سيطرة إسرائيل في مجالي المال والإعلام فيهما، ولكن يبقى تأثير هاتين الدولتين حاضراً وموجوداً إن أرادتا أن تضغطا على حكومة تل أبيب، بالمعنى الحقيقي، حدث ذلك في اتفاقيات أوسلو في العام 1993 وجلس رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الذي توفي 2004.
لن ينتهي الحراك السياسي والإعلامي العالمي ضد إسرائيل على ما ترتكبه من مجازر في قطاع غزة - وصلت لأن ترفع جمهورية جنوب أفريقيا شكوى ضدها في محكمة العدل الدولية، وأدت إلى أن يشهد العالم مسيرات في عواصم دول - من دون نتيجة سياسية أو ما يعرف عند الاقتصاديين بـ«صفقة سياسية» خلاصتها إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس التي تماطل فيها إسرائيل منذ أكثر من ثلاثة عقود، وسيكون ذلك من خلال الجولات التي يقوم بها بلينكن وزير خارجية أمريكا وديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني السابق ووزير الخارجية الحالي.
لدينا قناعة كمراقبين أن السياسة العالمية في منطقة الشرق الأوسط، حتى وإن كانت بيد واشنطن، إلا أن القرارات تتم باستشارة بريطانية، فهم المخططون الأوائل لهذه المنطقة وللعالم، وإذا كانت سياسة «فرق تسد» التي استخدمتها بريطانيا مع أهل المنطقة والأماكن التي تواجدت فيها، فإن إسرائيل هي أكبر مثال لتلك السياسة، فالكل في المنطقة مختلف على كيفية حل هذه القضية بدءاً من الفلسطينيين أنفسهم مروراً بالعرب وصولاً إلى دول المنطقة، في حين التأثير على مجريات أحداث المنطقة انتقل من بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية.