يعتبر الإرهاب ظاهرة خبيثة تنخر في عظم الدول والمجتمعات الإنسانية، حيث تأتي تلك الجريمة الخبيثة على قائمة وفق ما يعتقده الأفراد المعتنقون لذلك الفكر الهدام، حيث يجمعون فكرهم على أنه هو الفكر الصائب والصحيح وفق تفسيرهم وتطبيقه على الواقع بجهل دون أن يكون لديهم علم أو فقه أو عقل، فالجهل لا بأس به إلا أن نصف العلم هو الأدهى والأمر، فيأتي من علم بشيء ناقص وفسره على هواه دون رؤية الصورة الكاملة عنه مضراً بالمجتمع ومن حوله وقد يرقى لتدمير أسس مجتمع متماسك، حيث يسعى هؤلاء المخربون لنشر فكرهم وعقيدتهم الوحشية حتى لو تطلب ذلك أعمالاً إجرامية، فالمهم هو نشر تلك العقيدة الزائفة الخبيثة وفق منهجهم الضال، ولما كانت تلك الجريمة تتصف بالصفات ذاتها ومنذ اقترافها من لدن الإنسان إلا أن وسيلة تنفيذها تختلف وتتطور عبر الزمن، فمن غير المعقول أن تقع جريمة بواسطة سلاح ناري قبل ألفي عام لأن تلك الأداة لم تكن موجودة بأصلها، إلا أنه ومع تقدم الزمن وتغيره تظهر الاختراعات التي ابتكرها العقل البشري واختلف استخدامها بعدها من بين ما ينفع البشرية وما يضرها.

وأما بشأن الإرهاب فقد ظهر اليوم نوع جديد من أنواع الإرهاب وهو الإرهاب الرقمي، الذي ظهر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث جاءت تلك الجريمة تشكل تهديداً واضحاً للمجتمعات الإنسانية، وذلك من خلال اختراقات تقنية لأنظمة أجهزة الدول.

دولة الإمارات العربية المتحدة متيقظة دائماً لمواكبة تلك التطورات ولا تدخر جهداً لمجابهتها والوقوف أمامها حفاظاً على أمنها الوطني واستقرار مجتمعها الإنساني لينعم جميع من يعيش على أرضها بسلام واستقرار، ومن هذا المنطلق أصدر مجلس الوزراء عام 2020 قراراً بإنشاء مجلس الأمن السيبراني وذلك تعزيزاً لرؤية دولة الإمارات العربية المتحدة في تحقيق تحول رقمي أكثر أماناً، ويعنى المجلس بوضع أطر العمل القانونية والتنظيمية التي تتناول مجالات مختلفة خاصة في الأمن السيبراني مثل الجرائم السيبرانية، وتأمين التقنيات الحالية والناشئة.

كما يهدف المجلس إلى اقتراح سياسات وتشريعات لتعزيز الأمن السيبراني في الدولة لكافة القطاعات المستهدفة ورفعها لمجلس الوزراء لاعتمادها وتنفيذها بالتنسيق مع الجهات المعنية، ورفع جاهزية كافة القطاعات للاستجابة والتصدي للهجمات الطارئة بكفاءة واحترافية عالية، مما يعزز مسيرة الإمارات الرائدة نحو مستقبل رقمي فائق التطور وتوفير بيئة سيبرانية آمنة وصلبة.

ويعمل المجلس على تجسيد الرؤية الاستشرافية للقيادة الرشيدة والنهج الاستباقي للدولة، من خلال جهات متخصصة وفاعلة قادرة على توفير الحماية الرقمية، وتأمين البنية التحتية المتطورة بما يضمن استمرارية الأعمال وتقديم الخدمات بشكل منتظم في كافة الأنشطة الاقتصادية والتعليمية والصحية والاجتماعية ونشر الثقافة السيبرانية من خلال مبادرات موجهة إلى مختلف الشرائح، وحماية المجتمع من حالات الاختراق والدخول غير المشروع.

ولم يتوقف الأمر على ذلك، حيث جاءت التشريعات اللاحقة التي تكمل بعضها البعض في مواجهة مثل تلك الجرائم الخبيثة، فصدر قانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية في عام 2021، والذي نظم معاقبة وملاحقة مرتكبي تلك الجرائم التي تعكر صفو الأمن العام والاستقرار في المجتمع، فأتى رادعاً وغليظاً في تطبيق سياسته العقابية، حيث جاءت المادة رقم 5 من القانون سالف الذكر على أنه: يعاقب بالسجن المؤقت والغرامة التي لا تقل عن 500 ألف درهم ولا تزيد على 3 ملايين درهم، كل من تسبب عمداً في الإضرار أو تدمير أو إيقاف أو تعطيل موقع إلكتروني أو نظام معلومات إلكتروني أو شبكة معلومات أو وسيلة تقنية المعلومات، عائدة لمؤسسات الدولة أو أحد المرافق الحيوية، فإذا وقعت الجريمة نتيجة لهجمة إلكترونية أعتبر ذلك ظرفاً مشدداً.

ويتضح لنا من خلال النص بأن المشرع الإماراتي حدد عقوبة السجن المؤقت وهي التي لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 15 سنة مع الغرامة التي لا تقل عن 500 ألف درهم ولا تزيد على 3 ملايين درهم، مما يجعل تلك العقوبة قاسية ومرة على كل من تسول له نفسه للعبث بالأنظمة الإلكترونية الخاصة بأجهزة الدولة.

ومن جانب آخر متى ما كان ذلك الجرم مرتبطاً بغرض إرهابي فقد جاءت المادة 14 من قانون مكافحة الجرائم الإرهابية الصادر في عام 2014 تنص على أنه يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد كل من ارتكب فعلاً أو امتنع عن فعل من شأنه أو قصد به تهديد استقرار الدولة أو سلامتها أو وحدتها أو سيادتها أو أمنها، أو منع إحدى مؤسسات الدولة أو إحدى السلطات العامة من ممارسة أعمالها، أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلم الاجتماعي.

ويتضح من خلال النص بأنه قد أتى واسعاً في تحديد أسلوب منع مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها، فيكون تعطيل الأنظمة الإلكترونية الخاصة بأجهزة الدولة من أساليب منعها من ممارسة أعمالها وبالتالي يكون تطبيقاً نص المادة على مرتكب تلك الجرائم جلياً في حق مرتبكه، وجاء نص المادة رادعاً لمن تكون لديه نية في المساس بأمن واستقرار الدولة أو الإضرار بأجهزتها ومؤسساتها الحكومية من خلال أي وسيلة كانت رقمية أم واقعية.

دولة الإمارات العربية المتحدة دولة واعية ومواكبة للتطورات التي تجوب العالم، وتأتي تشريعاتها وأنظمتها الحكومية على أولويات عملها الحكومي وخاصة متى ما كنت مرتبطة بأمنها واستقرارها، فدولة الإمارات تضع يدها بيد من يريد الأمن والسلم للعالم وتقف أمام كل من تسول له نفسه لتعكير صفو الأمن والسلم الدولي والوطني، فتشريعاتها متجددة ومتطورة واستباقية، وتعمل جاهدة للمحافظة على المجتمعات الإنسانية على الصعيد الوطني والدولي ولا يغمض لها جفن حتى ترى العالم ينعم بسلام وأمن واستقرار.