لا شك أن الذكاء الاصطناعي قد أصبح عاملاً مؤثراً في حياتنا اليوم بشكل كبير، حتى أصبح البعض متخوفاً من أن ينافس الذكاء الاصطناعي العقل البشري، وعلى قدرة البشر في أداء الكثير من الوظائف، وفي مجال إنتاج المعرفة بشكل خاص. فقد أصبح الذكاء الاصطناعي ينافس العقل البشري في الإبداع والابتكار، وفي إنتاج المعرفة بوسائطها المختلفة.
وعلى الرغم مما يقال عن تفوق الذكاء الاصطناعي، إلا أن الكثيرين ما زالوا يشككون في قدرته على منافسة العقل البشري، بحكم ما يتميز به الأخير من القدرة على التمييز والفصل بين الخير والشر، والممكن وغير الممكن.
يقول الفيلسوف والمفكر الأمريكي نعوم تشومسكي عن الذكاء الاصطناعي، بأنه لا يميز بين المستحيل والممكن، بين الخير والشر، ومهما كانت برامج الذكاء الاصطناعي مفيدة في بعض المجالات الصعبة، كمجال الكومبيوتر مثلاً، إلا أنها في مجال الثقافة واللغة غير قادرة على الابتكار، وتفتقر إلى القدرة على الإبداع.
ويختلف الذكاء البشري عن الاصطناعي، بأن الأول يسعى إلى استنباط التفسيرات والتحليل العقلاني المعتمد على الرؤية الواضحة للحقائق، وأبعادها، وتأثيراتها الإنسانية، والأخلاقية، بينما يتعامل الثاني مع الحقائق الموضوعة أمامه فقط.
تشير بعض الدراسات إلى أن أحد العلماء طرح على «شات جي بي تي» سؤالاً، وهو: هل سيكون من الأخلاق أرضنة المريخ (أي نقل ظروف العيش وأساليبه في الأرض إلى كوكب المريخ؟ فيجيب الذكاء الاصطناعي بأن أخلاقية تعديل المريخ موضوع مثير للجدل، وقد ناقشه العلماء والمهتمون، فمن المبرر أخلاقياً أرضنة المريخ من أجل توفير بيئة صالحة لعيش البشر، بينما يرى آخرون أنه من الخطأ أخلاقياً تعديل المريخ، لأنه يجب ترك الكواكب على حالها دون تدخل البشر. إذن، فالذكاء الاصطناعي عاجز عن تحقيق توازن بين الإبداع والقيود.
فهو لا يستطيع الجزم بأي معضلة، أو إعطاء تفسير منطقي لكل سؤال، على عكس ما يعتقده البشر بأن الذكاء الاصطناعي قادر على إعطاء إجابة لكل سؤال. ولهذا، فإن العلماء في عصرنا ما زالوا مصرين على أن الذكاء الاصطناعي مهم، ولكنه غير قادر على منافسة العقل البشري لافتقاره للقدرة على التحليل، وإعطاء التفاسير والمبررات.
فالعقل البشرى قادر على بُعد النظر ودراسة الأبعاد الإنسانية والأخلاقية لكل مؤثر، ثم إصدار الأحكام، أما الذكاء الاصطناعي، فيفتقد في الكثير من الأحيان قدرة التمييز بين الخير والشر، وبين ما هو أخلاقي وبين ما هو غير أخلاقي، ولكن الخبراء في مجال التكنولوجيا، يؤكدون على أن الذكاء الاصطناعي محفز للأبداع البشرى، وليس ضده.
التخوف الأهم هو تأثير الذكاء الاصطناعي في مجالات الثقافة، لكونها تحمل إبداعات العقل البشري على مر العصور. فالدراسات تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي قادر على تولي كافة الوظائف التي يقوم بها البشر في غضون قرن من الزمان، وربما أقل.
فوفقاً للدراسات المتعددة، فهو قادر على الترجمة وكتابة المقالات والمواضيع الصحافية والخط، بل وعلى إنتاج أفضل الكتب مبيعاً حول العالم. أما في مجال الثقافة السينمائية، مثلاً، فهو قادر على النقد السينمائي أيضاً. كما أن صناعة السينما تعتمد اعتماداً كبيراً على الذكاء الاصطناعي، وعلى إنتاج محتوى يؤثر في الثقافة، ومن ثم على تشكيل الرأي العام.
ولكن هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يحل محل الذكاء البشري في كل مجالات الثقافة؟ تقول الدراسات إن الذكاء الاصطناعي لا يستطيع منافسة العقل البشري في مجال الشعر، الذي يعتمد على الإحساس الإنساني، ويتميز بجماليات لا يستطيع الذكاء الاصطناعي ترجمتها، لأنه لا يحس مثل البشر.
إذن، هناك مجالات قد ينجح فيها الذكاء الاصطناعي، وهناك أخرى يفتقر فيها إلى الإبداع. هناك مهن قد يحل محلها في العقود المقبلة، وهناك أخرى ما زالت تحتاج إلى العقل البشري. فهل يأتي اليوم الذي يحل فيه الذكاء الاصطناعي محل العقل البشري في المجالات كافة؟.