كما أن لمصر نجومها الكوميديين الذين ملأوا دنيانا بالفرح والبهجة من خلال أعمالهم على المسرح والشاشة أو عبر الأثير، فإن لشقيقتها السودان نجومها أيضاً، لكن نجوم الكوميديا في السودان ليسوا معروفين خارج حدودها بسبب تجاهل وسائل الإعلام العربية لأعمالهم ومواهبهم.
أحد هؤلاء هو «الفاضل سعيد» الملقب بـ «ملك الكوميديا» السوداني، وهو شخصية ظريفة كافحت وصبرت ودرست وتنقلت طويلاً إلى أن حققت أحلامها الفنية.
بدأت حكايته، طبقاً لما ورد في موقع «شخصيات تاريخية سودانية» الإلكتروني، من يوم مولده في عام 1935 بحي بيت المال من مدينة أم درمان، ابنا لأبوين من قبيلة الدناقلة. والده سعيد ضرار سلنتوت كان لا يعرف العربية، وإنما كان يرطن بها، بينما كانت والدته فاطمة محمد سلنتوت تجيد العربية. وإزاء هذا التباين وجد صاحبنا نفسه في إطار تركيبة فريدة منحته ثراءً ذهنياً وتربوياً. فوق ذلك وجد نفسه مقرباً من جدته التي كانت إحدى سيدات أم درمان الحافظات للروايات الشعبية والحكايات التاريخية، ما ولد بداخله حب الفن وشغف التمثيل.
درس الفاضل سعيد بمدرسة الهدايا الأولية، حيث تعرف على معلمه الفنان «خالد أبو الروس»، قطب أقطاب فرقة التمثيل والموسيقى بالسودان الذي كان يدرسه الرياضيات آنذاك، فتأثر به وقام بتأسيس فرقة مسرحية للتمثيل وبناء مسرح بدائي ليقدم فوق خشبته ليالي ساهرة يحاكي فيها أعمال أبو الروس. ثم درس المتوسطة بمدرسة الأقباط، ولحسن حظه كانت هذه المدرسة تشهد تنافساً في التمثيل ما بين فرق عدة فانضم إلى إحداها وبرز في صفوفها. أما في مرحلته الثانوية بمدرسة الفاروق التي سميت بعد ثورة يوليو المصرية باسم مدرسة جمال عبد الناصر، فقد تعمق إحساسه بالفن من خلال ما كان ينقله معلموه المصريون من مسرحيات لنجيب الريحاني، فقرر أن يكون مسرحياً، خصوصاً وأنه في هذه المدرسة تعرف على أساتذة ممن صاروا لاحقاً نجوم كوميديا في مصر مثل مدرس التربية الرياضية أمين الهنيدي، ومدرس الرسم والتربية الفنية محمد أحمد المصري الشهير بـ «أبو لمعة».
بعد تخرجه من الثانوية التحق بجامعة الخرطوم لدراسة الآداب، لكن شغفه بالمسرح والتمثيل دفعه لتقديم أوراقه إلى معهد الموسيقى العالي بالقاهرة، حيث نصحه أساتذته بألا يضيع أربع سنوات من عمره في مجال لا فائدة منه في السودان وقتذاك، لكنه توكل على الله واختار دراسة المسرح، ثم اختبر نفسه وسط جمهور من خارج إطار الطلبة، وذلك حينما شارك بالتمثيل خلال الاحتفالات الضخمة التي كانت تقيمها المدارس المصرية نهاية كل عام في الخرطوم.
في عام 1955 شرع في تكوين «فرقة الشباب» للتمثيل الكوميدي، ضاماً إليها مجموعة من الشباب والفتيات من ذوي الشغف بالتمثيل، وقد تمكن حينها من تسجيل فرقته في مجلس بلدي أم درمان وعثر على مقر لها بنادي العمال. وفي غضون ذلك راح يتوسع في قراءاته وإطلاعاته على فنون المسرح العالمي، من جهة، ومن جهة أخرى راح يتنقل بفرقته في الأقاليم، أملاً في أن ينتشر اسمه فيتمكن من دخول الإذاعة السودانية الذي كان أمراً صعب المنال في تلك الأيام، خصوصاً وأن الأعمال الكوميدية لم تكن معروفة كثيراً، بل لم تكن مرغوبة أو مطلوبة. ولعله لهذا السبب لجأ إلى تقديم تمثيليات صغيرة جادة من خلال برامج «ركن المرأة» و«ركن الطفل» و«ركن المزارع»، الأمر الذي انتشر معه اسمه. ومع انتشار اسمه تمكن من دخول «مسرح الإذاعة» الذي تحول للمسرح القومي، وتم الاعتراف به من قبل الإذاعة كنجم كوميدي.
اشتهر صاحبنا بتقديم عدد من الشخصيات التي شكلت حضوراً طاغياً على المسرح السوداني مثل شخصية «بت قضيم» الحبوبة سليطة اللسان، وشخصيتي «الحاج كرتوب» و«العجب» وغيرها من النماذج الكاريكاتيرية النابضة بالمواقف الاجتماعية الناقدة الساخرة.
في 10 يونيو 2005 توفي الفاضل سعيد بمدينة بورتسودان جراء انفجار قرحته المعدية.