منذ انطلاقتها قبل عقد من الزمن، تحولت «القمة العالمية للحكومات» إلى واحدة من أبرز المنصات الدولية تأثيراً وقدرة في مجال استشراف المستقبل وملامسة فرصه وتوجهاته وتحدياته، ومكاناً راسخاً لتوقيع الكثير من اتفاقات التعاون والابتكار بين الحكومات والمؤسسات الدولية والإقليمية والمراكز والجهات البحثية الخاصة المشاركة، وهو ما جعلها قصة نجاح أخرى تضاف إلى قصص النجاح الكثيرة لإمارة دبي، أو كما قال سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، رئيس المجلس التنفيذي، عبر منصة «X»: «القمة العالمية للحكومات قصة نجاح بدأت من دبي وأصبحت اليوم الحدث الأهم في استشراف مستقبل العمل الحكومي دولياً».
وفي دورتها الجديدة، التي عقدت في مدينة الجميرا بدبي في الفترة من 12 إلى 14 فبراير الجاري، وكان لي شرف حضورها، ضمن نحو 4000 مشارك من النخب الفكرية من قادة الحكومات والوزراء وكبار المسؤولين وصناع القرار ورواد الأفكار والمختصين في الشؤون السياسية والتنموية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية من مختلف دول العالم، يتقدمهم رؤساء تركيا ورواندا وسيشيل وزيمباوي وموريشوس ومدغشقر والمالديف وقيرغيزستان، ورؤساء حكومات مصر والعراق وليبيا والهند وألبانيا، والأمناء العامون لمجلس التعاون وجامعة الدول العربية ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ومدير صندوق النقد الدولي، اختصر معالي محمد بن عبدالله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء، رئيس القمة، في كلمته الافتتاحية، أوضاع العالم قائلاً ما مفاده أنه على الرغم من الظروف والتحديات العالمية الصعبة، فإن العالم يعيش حقبة بشرية هي الأفضل والأكثر أمناً ورفاهاً وصحة وفرصاً في تاريخه، ومستعرضاً بعضاً من هذه الإيجابيات مثل تضاعف عمر الإنسان، وإمكانية الحصول على العلاج والدواء خلال وقت قصير، ووجود علاجات مبتكرة لأمراض كثيرة، وتقلص عدد الدول الفقيرة إلى النصف خلال العقدين الماضيين، وانخفاض معدلات الفقر بنسبة 50 بالمائة، ومحو أمية 86 % من البشر، وظهور أكبر طفرة معرفية من آياتها نشر 120 ألف كتاب جديد كل شهر، وكتابة 6 ملايين مقال على المدونات يومياً، وتسجيل 33 مليون براءة اختراع خلال عقد واحد.
وأشار معاليه إلى أن نحو 17 تريليون دولار أنفقت خلال الفترة على الحروب والصراعات والنزاعات (لو أنها أنفقت على مجالات التنمية والعلوم والابتكارات لتخلصت البشرية اليوم من الجوع والفقر والأوبئة والأمراض المستعصية)، وإلى أن 50 % من النمو العالمي يأتي من الصين والهند وحدهما، و7 % من الناتج المحلي العالمي يذهب لسد تكاليف التجارة، وأن قدرة الذكاء الاصطناعي تضاعفت 1000 مرة خلال عام واحد.
وكما جرت العادة، كل عام، ازدحم جدول أعمال القمة بعشرات الجلسات والحوارات لتقديم رؤى مستقبلية في مجالات الابتكار والاستثمار والأسواق والتبادل المعرفي والتكنولوجي والنقل والطيران وحماية الطبيعة والاقتصاديات الرقمية والمدن الذكية والتحول الأخضر والتخطيط العمراني والطاقة والفضاء والتعليم والشباب والرياضة والوقاية الصحية، إلا أن قمة هذا العام تميزت بجلسات عدة كان محورها «الذكاء الاصطناعي»، وهو موضوع بات يستحوذ على اهتمام العالم ويثير الكثير من الجدل والنقاش والتساؤل بسبب كثرة تطبيقاته ومهامه ومعالجاته من جهة، ومنافسته للذكاء البشري في التعلم والإبداع والتعرف على المشكلات المعقدة وحلها من جهة أخرى. ولا أدل على ذلك من تخصيص أكثر من 8 جلسات متفرقة لموضوع الذكاء الاصطناعي، حملت عناوين عكست التساؤلات التي تدور حوله.
والحقيقة أن الانقسام حول الذكاء الاصطناعي، بين من يدافع عنه ويتحمس له ويعتبره ثورة في عالم الابتكار والحلول، وبين من يحذر من مخاطره ويناشد بوضع ضوابط تنظيمية له كيلا يلغي دور البشر في الابتكار، هو انقسام لا يمكن التوافق حوله بين المعسكرين، خصوصاً أن هناك من يحمل لواء المعارضة من منطلقات أيديولوجية مناهضة لشركات الأعمال وأرباب الصناعة ومحابية للطبقة العاملة، بمعنى أن الذكاء الاصطناعي يوفر ذريعة لأصحاب الأعمال للاستغناء عن العمال أو تهميشهم أو إجبارهم على قبول شروط مجحفة.