التوازن في التعامل مع متطلبات التنمية الداخلية والأمن الوطني وبين متطلبات السياسة والدبلوماسية الدولية قضية أساسية في الحكومات الرشيدة. وعلى الرغم من أهمية هذا التوازن إلا أن هناك حكومات كثيرة في عالمنا اليوم تعجز عن تحقيقه، أو أنها تعطي أهمية لجانب على حساب جانب آخر.

وهذا نراه بوضوح ليس فقط في العالم الثالث، ولكن حتى في الدول الكبرى، ففي عالم اليوم، عجزت العديد من البلدان الأوروبية عن تحقيق التوازن بين متطلبات الداخل وما تمليه عليها التزاماتها الدولية، الأمر الذي أحدث انقساماً في الرأي العام، فبينما يتوقع الفرد في هذه المجتمعات أن تهتم الحكومات بالتنمية الداخلية ومعالجة قضايا التعليم والصحة وغلاء المعيشة والطاقة، فإن ذلك الفرد يتوقع أيضاً من حكومته أن تهتم بالقضايا العالمية كالنزاعات والحروب الخارجية بحكم تأثيرها على مجتمعه وعلى العالم أجمع، بمعنى أوضح أن وظيفة الحكومة ليست فقط خدمة المواطن، بل والمشاركة في القرار الدولي، فالحكومات لها التزامات محلية وأخرى دولية تمليها عليها واجبات وأخلاقيات التعاون الدولي.

وعلى الرغم من أن هذا الهدف ليس بجديد إلا أنه أصبح في وقتنا الحالي هدفاً رئيساً للحكومات، وخاصة حكومات المستقبل.

دولة الإمارات منذ ولادتها وبروزها على الساحة الدولية وهي تتعامل بجدية مع قضايا التنمية الداخلية ومتطلبات الخارج، فهي تسعى إلى تحقيق التوازن بين متطلبات الداخل والخارج، حيث نجحت استراتيجيتها في التعامل بحكمة كبيرة بين متطلبات التنمية الداخلية ومطالب حضورها على الساحة العالمية بوصفها لاعباً مهماً ومؤثراً، فوضعت في جدول أولوياتها رفاهية المواطن والتعليم والصحة، كما سعت إلى إحداث التغير الإيجابي الذي يهدف إلى بناء مجتمع منفتح، فاستراتيجية تمكين الشباب والمرأة نجحت إلى حد كبير في إحداث تغير مجتمعي إيجابي.

كما أن استراتيجية تنويع مصادر الدخل واستخدام الطاقة النظيفة والاستثمار في الإنسان قد آتت أُكلها.

كل تلك الاستراتيجيات خلقت رأياً عاماً مؤيداً للدولة، الأمر الذي دعم عمل الحكومة وهيأ الأرضية المناسبة لتقبل التغير المجتمعي.

وعلى الرغم من أن الساحة العالمية تضج اليوم بالكثير من المتغيرات الجيوسياسية التي أثرت في عملية النمو الاقتصادي في العديد من الدول الكبرى إلا أن دولة الإمارات قد استطاعت بحكمة كبيرة تلافي أي تأثير سلبي على عملية النمو الاقتصادي الداخلي، حيث إن التوقعات تدل على أن الدولة سوف تستمر في تحقيق نمو اقتصادي يصل إلى 5%.

الاستفادة من الفرص الدولية المتاحة وتسخير كل الإمكانات لخدمة الأهداف الوطنية هي هدف رئيس للدولة، فعبر المبادرات والشراكات الدولية تهدف الإمارات إلى تعزيز دورها إقليمياً وعالمياً، فدولة الإمارات تتعامل مع التحديات العالمية بحكمة واتزان.

ومن خلال تعزيز التعاون الدولي وبناء الشراكات الفاعلة والمؤثرة استطاعت الإمارات ترسيخ مكانتها داخلياً وخارجياً، فهي من أوائل دول المنطقة في الاستثمار في قضايا تهم العالم، كالطاقة النظيفة والفضاء، ومن أوائل الدول التي سعت إلى الاستثمار الناجح في عدد من الدول الإقليمية والصديقة، الأمر الذي رسخ ليس فقط الاستقرار في المنطقة، ولكن سمعة ومكانة الإمارات عربياً ودولياً.

إن دولة الإمارات مدركة أن عليها التزامات داخلية نحو المواطن والمقيم، وأخرى خارجية نحو المجتمع الدولي، التي هي عضو فاعل فيه. وهكذا نجحت في تحقيق ذلك التوازن بحكمة وتفانٍ، فعبر المبادرات الداخلية نجحت في تحقيق التنمية حتى أصبحت مضرب الأمثال في تحقيق النمو والاستقرار. أما خارجياً فقد نجحت في بناء الشراكات السياسية والاقتصادية.