أحدث التقدم التكنولوجي في مجال الذكاء الاصطناعي ثورة في العديد من جوانب حياتنا، ومن الأمور التي قام بها الذكاء الاصطناعي هي القدرة على تطوير تقنيات التعلم العميق والتي أتاحت إمكانية إنشاء محتوى مزيف بدرجة عالية من الدقة والواقعية. وهذا المحتوى المزيف، المعروف بالتزييف العميق، أصبح تحديًا كبيرًا يواجه المجتمع.
ما هو التزييف العميق؟
التزييف العميق هو استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء محتوى مزيف يبدو وكأنه حقيقي. يتيح للمستخدمين إنشاء فيديوهات وصور ونصوص وحتى أصوات تبدو وكأنها أنشئت أو قيلت بواسطة أشخاص حقيقيين. يتم ذلك باستخدام تقنيات تعلم الآلة والتعلم العميق التي تتيح للكمبيوترات محاكاة سلوك وصفات الأفراد بشكل مذهل.
هذه الظاهرة الجديدة تمتد إلى مختلف جوانب الحياة اليومية، بدءًا من السياسة ووسائل الإعلام وانتهاءً بالترفيه والثقافة. ويمكن استخدام التزييف العميق لخلق محتوى يشوبه الإشاعات والأخبار المزيفة، والتأثير على القرارات السياسية، وإلحاق الأذى بسمعة الأفراد والمؤسسات. وهذا ما يشكل تحديًا حقيقيًا للمجتمعات في العصر الرقمي.
تحديات التزييف العميق
يمكن استخدام التزييف العميق لنشر معلومات مزيفة على نطاق واسع، مما يؤدي إلى تشويه الحقائق وزعزعة الثقة في المصادر الإعلامية والمعلومات، كما يمكن استخدام التزييف العميق لتلفيق تصريحات ومقاطع فيديو للشخصيات السياسية، مما يؤثر على القرارات والانتخابات الوطنية. كما يمكن استخدام التزييف العميق لانتهاك خصوصية الأفراد عبر إنتاج فيديوهات وصور مزيفة تسيء إلى سمعتهم.
عقوبة التزييف العميق في قانون دولة الإمارات
نصّ القانون رقم 34 لسنة 2021 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية على عقوبات رادعة بحق مرتكبي هذه الجرائم. وجاء في المادة رقم (42) أنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم ولا تزيد على 500 ألف درهم، أو بإحداهما، كل من ابتزّ أو هدد شخصاً آخر لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه باستخدام شبكة معلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، وتكون العقوبة السجن المؤقت مدة لا تزيد على 10 سنوات إذا كان التهديد بارتكاب جريمة أو بإسناد أمور خادشة للشرف أو الاعتبار، وكان ذلك مصحوباً بطلب صريح أو ضمني للقيام بعمل أو الامتناع عنه.
كما عاقبت المادة (44) من ذات القانون ".. يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة والغرامة التي لا تقل عن (250,000) مائتين وخمسين ألف درهم ولا تزيد على (500,000) خمسمائة ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم نظام معلومات إلكتروني، أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، لإجراء أي تعديل أو معالجة على تسجيل أو صورة أو مشهد، بقصد التشهير أو الإساءة إلى شخص آخر".
كيف نتعامل مع التزييف العميق؟
يجب على الناس أن يكونوا على دراية بوجود التزييف العميق وأن يكونوا حذرين عند التعامل مع المعلومات على الإنترنت. كما يجب التحقق دائمًا من مصداقية المصادر وعدم الانسياق وراء المعلومات بسرعة. وعلى الشركات التكنولوجية والباحثون يعملون على تطوير تقنيات لاكتشاف ومكافحة التزييف العميق.
ويمكن للأجهزة الأمنية مواجهة جرائم التزييف العميق عن طريق استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وإليك بعض الطرق التي يمكن بها مكافحة التزييف العميق باستخدام الذكاء الاصطناعي:
- التعرف على الوجوه والأصوات: يمكن استخدام تقنيات التعرف على الوجوه والأصوات باستخدام الذكاء الاصطناعي للكشف عن الفيديوهات والصوتيات المزيفة. ويمكن تدريب النماذج على التعرف على العلامات الدقيقة التي تشير إلى التلاعب في الوجوه أو الأصوات.
- التحليل النصي واللغوي: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل النصوص واللغة المستخدمة في المحتوى. ويمكن اكتشاف محتوى مزيف من خلال تحليل هياكل الجمل واستخدام كلمات غير عادية أو مشبوهة.
- الاستشعار العميق: يمكن تطبيق تقنيات الاستشعار العميق لاكتشاف الفيديوهات والصور المزيفة. ويمكن للنماذج الذكية التعرف على التلاعب في الصور والفيديوهات عن طريق مقارنة البيانات المقدمة بقاعدة بيانات من الصور والفيديوهات الأصلية.
- مراقبة السلوك عبر الإنترنت: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لمراقبة سلوك المستخدمين عبر الإنترنت واكتشاف الأنشطة غير العادية أو شبه المشروعة. وهذا يمكن أن يساعد في رصد محتوى مشبوه أو أنشطة احتيالية.
- البيانات الكبيرة وتعلم الآلة: يمكن تدريب نماذج تعلم الآلة على كميات كبيرة من البيانات للكشف عن الأنماط المشبوهة في المحتوى. ويمكن تحسين أداء هذه النماذج باستمرار مع تزايد حجم البيانات.
وفي النهاية، يجب أن ندرك خطورة التزييف العميق وعمليات الابتزاز المرتبطة به، وعلى المجتمع بأسره العمل معًا لتوعية الناس بمخاطر هذه الظاهرة والعمل على وضع تدابير أمنية وقانونية فعّالة لمكافحتها وحماية الضحايا.