في تاريخ دولة الإمارات الممتد على خمسة عقود، تبرز الأخبار والسير المرتبطة بسياستها الخارجية التي لها علاقة بطرح المبادرات والمشروعات ذات بعدين أو سمتين رئيسيتين هما: الأولى، البعد الإنساني، والثانية، تلك المواقف الداعمة للحكومات الساعية للارتقاء بحياة مواطنيها. وتصل تلك الأخبار إلى درجة أن المقارنة فيما تقدمه هذه الدولة لا تجد لها مثيلاً إلا فيما بين قادتها. وما يميز هذا التاريخ الإماراتي منذ الإعلان عن قيام الدولة في السبعينيات من القرن الماضي حتى وقتنا الحاضر أنه يسير بمعدل أو مستوى ثابت وإن كان في أحيان كثيرة يشير مستواها نحو الارتفاع في تلك المبادرات ولكنه لم يسجل معدلات منخفضة أو أنها تغيرت بمستوى أدنى مما كان عليه في فترة معينة رغم أن الإمارات كغيرها من دول العالم تعرضت إلى العديد من التحديات والأزمات الاقتصادية بفعل التغيرات العالمية والإقليمية. وهذا الثبات في عدد المبادرات العالمية له تفسيره في المدرسة السلوكية في العلاقات الدولية فهو دليل أو مؤشر مهم لمعرفة توجهات الدولة في علاقاتها الدولية.
لقد أطلقت دولة الإمارات خلال الأسبوعين الماضيين أربع مبادرات لامست بأثرها العالم كله ويمكن تقسيمها وفق الطرح أعلاه إلى مجموعتين في التفسير السلوكي في العلاقات الدولية. المجموعة الأولى: تأكيد الاستمرارية لنهجها وهي الاحتفاء بالدورة الرابعة لمبادرة صناع الأمل في العالم العربي، وكذلك إطلاق مبادرة «وقف الأم» وهذه المبادرة تأتي ضمن عادة سنوية مع بداية شهر رمضان الفضيل.
أما المجموعة الثانية لهذا النهج وهي ثبات النهج الدبلوماسي فكان تدشين مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، عن «الماء» والمبادرة الثانية أو المشروع كان تدشين محطة لتوليد الطاقة الشمسية في جنوب اليمن تلك المبادرات (وهي على سبيل المثال لا الحصر) تفسيرها الوحيد أن الإمارات تسير بخطى ثابتة وواثقة عالمياً نحو الاهتمام بما يشغل الإنسان وحياته اليومية.
بهكذا سلوك للدبلوماسية الإماراتية أصبحت لديها تأثيرها «الناعم» لدى الرأي العام العالمي، حيث صنفت مؤخراً بأنها من العشرة الكبار في القوة الناعمة في العالم بما يعني أن تأثيرها ليس إقليمياً فقط، لذلك فإن مبادراتها تبقي أنظار المحللين والمفكرين مركزة على ما تفعله هذه الدولة ليس فقط من ناحية متابعة مدى قدرتها على الاستمرار في هذا النهج الدبلوماسي القائم على الاهتمام بالإنسان العالمي، ولكن كون أن ذلك يرسخ سلوكاً معيناً في علاقاتها الخارجية؛ لأن هذا السلوك كان نقطة تعريف الدبلوماسية الإماراتية بنفسها للعالم واستمرت عليها لأنها تنطلق من ثقافتها المجتمعية، التي هي جزء مهم في محددات السياسة الخارجية لكل دولة، رغم التفسيرات المغرضة من البعض سواءً من ذوي الأيديولوجيات المناقضة لها أو من السياسيين الذين اعتادوا على تفسيرات لها أهدافها غير الإنسانية من الغربيين، وفي المقابل تنظر المؤسسات العالمية والحكومات المسؤولة في العالم بشيء من التقدير والاحترام وربما هذا كان أكثر وضوحاً في الأزمة العالمية لفيروس كورونا التي شلت كل دول العالم عن الحركة إلا دولة الإمارات التي ساعدت ووقفت مع الجميع.
في رؤية القيادة الإماراتية أن الاستثمار في الإنسان والاهتمام بتفاصيله البسيطة هو: الاستدامة الحقيقية للأوطان ثم الكون. وبما أنها نجحت في رؤيتها مع الإنسان الإماراتي سواءً من المقيمين على أرضها أو مواطنيها فإنها تحاول وتبذل جهداً من خلال المبادرات المتكررة والمستمرة في إسعاد باقي البشر في مختلف أرجاء المعمورة بصور مختلفة منها: الوساطات بين المتصارعين وهناك نماذج كثيرة أو تقديم المساعدات المباشرة أثناء الأزمات والصراعات أو تمويل مشاريع تنموية.
يدرك المهتمون بالشأن الدولي دور مبادرات دولة الإمارات على الصعيد العالمي المليء بالصراعات التي تهدد مستقبل الإنسان لأنها تمثل بارقة أمل تطلقها قيادتها الحكيمة.