ظاهرة الإتجار بالبشر ليست من الجرائم حديثة العهد بل هي قديمة قدم الإنسانية ذاتها، فالرق والإسترقاق وتجارة العمالة والتسول والإستغلال الجنسي أفعال وجدت في المجتمعات القديمة بغض النظر عن طبيعة أنظمتها الإجتماعية والإقتصادية والسياسية ومازالت موجودة في كل المجتمعات المعاصرة ولكن بأشكال مختلفة، وأصبحت من أكبر التحديات التي تواجه التشريعات المعاصرة بعدما كشفت الإحصاءات والتقارير الدولية عن أن آلاف النساء والأطفال والرجال قد دفعتهم ظروف المعيشة السيئة أو الأوضاع السياسية المضطربة في بلدانهم إلى أن يكونوا محلاً للإتجار والإستغلال.
وتختلف صور الإتجار بالبشر من دولة إلى أخرى وتتمثل أبرزها في صورة الإستغلال الجنسي والعمل القسري والسخرة وتجارة الأعضاء البشرية واستغلال الأطفال، و يعد الإستغلال الجنسي أخطر أشكال الإتجار بالبشر وأكثرها انتشاراً ونظراً للأرباح الطائلة التي تحققها مثل هذه التجارة فإن الكثير من تجار السلاح والمخدرات قد هجروا نشاطهم الأصلي واستبدلوه بالإتجار في البشر لكونه أقل مخاطرة وعقوبة بالإضافة إلى استمرارية الربح .
كما أن الإتجار في الأطفال واستغلالهم من أبشع صور الإتجار بالبشر فهم الثروة البشرية المستقبلية لكافة المجتمعات ، وتتعدد صور الإتجار بهم لتشمل العمالة دون السن القانوني مجردة من أي حماية قانونية أو صحية أو اجتماعية والإستغلال الجنسي وتجارة الأعضاء البشرية وغيرها من صور الإتجار كالعمل في المزارع والمناجم وخدمة المنازل والتسول في الشوارع.
وتعد تجارة الأعضاء البشرية سواء بالبيع أو الشراء للأعضاء البشرية كالأنسجة والجلد والدم والكلى وغيرها من الأعضاء من الجرائم العابرة للحدود حيث أسهم التقدم العلمي في مجال الطب والجراحة في ازدياد عملية الإتجار في الأعضاء البشرية وانتشرت تلك الظاهرة بشكل كبير في الآونة الأخيرة بسبب انتشار الفقر وسوء الظروف الإقتصادية التي تمر بها بعض الدول.
وتشارك دولة الإمارات في الجهود الدولية لمكافحة الإتجار بالبشر وتعد طرفاً رئيسياً في الحملة العالمية لمكافحة الإتجار بالبشر و كانت أول دولة في المنطقة تسن قانوناً شاملاً لمكافحة الإتجار بالبشر ، وتمتلك دولة الإمارات شبكة من المؤسسات لحماية ضحايا الإتجار بالبشر وإعادة تأهيلهم كمركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية " إيواء " ، ومؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال ومركز أمان لرعاية النساء والأطفال برأس الخيمة.
وتصدى المشرع الإماراتي لجريمة الإتجار بالبشر من خلال عدة قوانين كان آخرها المرسوم بقانون رقم 24 لسنة 2023 بشأن مكافحة الإتجار بالبشر وقد نصت المادة رقم ( 2) منه على أن (يُعد مرتكباً لجريمة الإتجار بالبشر كل من باع شخصاً أو أكثر أو عرضه للبيع أو الشراء أو الوعد بهما أو استقطبه أو استخدمه أو جنده أو نقله أو رحله أو آواه أو استقبله أو سلمه أو استلمه سواء داخل الدولة أو عبر حدودها الوطنية بواسطة استعمال القوة أو التهديد وغير ذلك من أشكال القسر أو الإختطاف أو الإحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو استغلال النفوذ أو استغلال حالة الضعف وذلك بغرض الإستغلال ، وكل من أعطى أو تلقى مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض استغلال الأخير ، ويُعد اتجاراً بالبشر إذا كان الضحية طفلاً أو عديم الأهلية، وتشمل صور الإستغلال الواردة في هذه المادة جميع أشكال الإستغلال الجنسي أو استغلال دعارة الغير أو السخرة أو نزع الأعضاء أو الأنسجة البشرية أو الخدمة قسراً أو الإسترقاق أو التسول أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الإستعباد.
كما نصت المادة رقم ( 6) من القانون المذكور على أن ( يُعاقب كل من ارتكب جريمة الإتجار بالبشر بالسجن المؤقت الذي لا تقل مدته عن خمس سنوات وبالغرامة التي لا تقل عن مليون درهم ) ، ونصت المادة رقم ( 8) على أن ( يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات والغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من علم بإرتكاب جريمة الإتجار بالبشر المنصوص عليها في هذا المرسوم بقانون ولم يبلغ السلطات المختصة أو الجهات المعنية ).
ومع التوسع في استخدام التكنولوجيا والذكاء الإصطناعي اجتاحت جريمة الإتجار بالبشر الفضاء الرقمي وأصبح المتاجرون بالبشر بارعين في استخدام منصات التواصل الإجتماعي والفضاء الرقمي لإرتكاب تلك الجرائم ، وحذَرَت الأمم المتحدة من استخدام التكنولوجيا في جرائم الإتجار بالبشر مقترحة ميثاقاً رقمياً عالمياً لإعمال مبادئ الإدارة الرشيدة في الفضاء الرقمي، كما يحيى العالم " اليوم العالمي لمكافحة الإتجار بالبشر " في 30 يونيو من كل عام للتذكير بخطورة وبشاعة هذه الجريمة التي تُعد انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان .