منذ القدم، حظيت منطقة الخليج العربي باهتمام عالمي، بوصفها ممراً مائياً مهماً، يربط بين الشرق والغرب، ومنطقة ذات حضارة إنسانية غائرة في القدم. فقد عاش على أرضها أصحاب الديانات الثلاث، وترعرعت فيها أجيال من أبنائها، مارست ليس فقط التجارة مع دول العالم، بل نقل الثقافات من بلد إلى آخر.
فقد كانت شعوب الخليج، ومنذ القدم، رائدة في التبادل التجاري، الذي خدم الاقتصاد العالمي. وقد أدركت الدول الاستعمارية الكبرى هذه الأهمية الاستثنائية، وسعت بكل قوتها لإخضاع المنطقة بأسرها، ووضعها تحت سيطرتها، حتى تحتفظ بحق السيطرة على البحار. فلا سيطرة على بحار الشرق، دون السيطرة على الخليج.
وفي القرون الماضية، لم تكن دول الخليج تملك السيطرة على مواردها، فقد وقعت معظمها تحت السيطرة الأجنبية. فالسيطرة على الخليج تمنح الدولة المسيطرة التحكم في واحد من أهم المضائق العالمية، والتحكم في التجارة العالمية، وموارد الاقتصاد الأخرى. دام هذا الوضع حتى استقلال دول الخليج، وامتلاكها كامل سيادتها وسيطرتها على أرضها ومواردها الاقتصادية والاستراتيجية، ومنها موقعها الاستراتيجي.
ومنذ استقلالها، بدأت دول الخليج تكتسب نفوذاً متزايداً على الساحة العالمية، ليس فقط بحكم أنها مزود للنفط، بل بسبب موقعها الاستراتيجي، خاصة مع التحولات الكبرى التي يشهدها العالم.
فتلك التحولات تهدف، ليس فقط إلى إعادة صياغة المشهد السياسي، بل تشكيل عالم جديد مبني على شراكات وتحالفات استراتيجية واقتصادية جديدة. لذا، سعت دول الخليج إلى عقد الشراكات والتحالفات الاستراتيجية والاقتصادية مع دول الجوار، ومع تلك الدول المهتمة بنشر ثقافة السلام في العالم.
فقد أدركت دول الخليج العربي أنها تعيش وسط إقليم مضطرب، بحكم طبيعته الجيوسياسية، وأنها إذا لم تسعَ إلى إشاعة ثقافة السلم والحوار، فإنها سوف تدفع بإقليم الشرق الأوسط كله إلى حافة التدهور، خاصة أن دول الخليج تمتلك كل المقومات التي تجعل دورها مقبولاً بين دول العالم.
دور دول الخليج في إشاعة السلم والاستقرار في العالم واضحة، فمن خلال الشراكات والتحالفات مع دول آسيا وأفريقيا والدول اللاتينية، حظيت دول الخليج بقبول مؤثر، وقامت بدور فاعل، من خلال مساعيها لنزع فتيل الأزمات، وتخفيف الصراعات والحروب، ووقف العنف.
فمثلاً، دورها في الوساطة في روسيا أعطاها حجماً كبيراً على الساحة العالمية. كما أن الشراكات التي عقدتها مع مجموعة العشرين وبريكس، أو من خلال استقطابها للفعاليات العالمية على أرضها، فإن دول الخليج تأمل في لعب دور فاعل ومؤثر في إشاعة السلم والسلام في العالم، إذ إن دورها مقبول من كل الأطراف، بحكم أنها تتجنب المنافسات الدولية، وتعطي الأولوية لمصالحها الوطنية، من خلال شراكات دولية متنوعة، تخدم اقتصادها، وتهدف إلى تخفيف التوتر العالمي.
ولم تتخط دول الخليج في مساعيها لإحلال السلام الخطوط الحمراء التي اختطها الشركاء، كما أنها تحترم في كل تعاملاتها المواثيق والاتفاقيات الدولية.
من ناحية أخرى، فإن دورها في المساعدات الإنسانية والإغاثية أعطاها المصداقية والقبول بين دول العالم، كلاعب مؤثر وفاعل. فالهدف الأساسي من تلك المساعدات، هو تخفيف الفقر، وإحلال السلام في العالم، وخدمة التنمية العالمية، إذ إن عدم الاستقرار في العالم يعيق السلم، كما يلعب دوراً سلبياً في حل الخلافات الدولية العالقة.
ودول الخليج تهدف، ليس فقط إلى تحقيق الاستقرار الداخلي، بل أيضاً تحقيق الاستقرار العالمي.
دول الخليج نجحت في كسر ذلك الحاجز الذي فرضته حالة انقسام العالم إلى قسمين، ونجحت في الولوج إلى المسرح العالمي كلاعب مؤثر ومحايد، من خلال إقامة شراكات جديدة متنوعة مع دول كالصين والهند، والبرازيل، ودول أفريقيا وغيرها.
كما نجحت في إقامة تحالفات هدفها إشاعة السلم العالمي. وكل تلك الجهود السياسية والدبلوماسية، تصب في النهاية، ليس فقط في مصلحة دول الخليج الداخلية، ولكن أيضاً في المصلحة العالمية.