في عصر يتسارع فيه التقدم التكنولوجي على وتيرة غير مسبوقة، أصبح للذكاء الاصطناعي دور محوري في مجالات عديدة، وصُنف كأهم ثورة تكنولوجية منذ دخولنا القرن الـ 21؛ نسبة لقدرته على القيام بمهام مختلفة، بدءاً بالمهام اليومية البسيطة كالكتابة، والتصميم، وتحليل البيانات.
والتفاعل الصوتي مع الأفراد، وغيرها الكثير، مما جعل منه عنصراً مساهماً في تحسين الإنتاجية وتعزيز التجربة التكنولوجية للأفراد، إلى المهام التحليلية المعقدة ليكون قوة وميزة تنافسية للمؤسسات والشركات. يتساءل الكثيرون عن تأثير الذكاء الاصطناعي على عالم الصناعات، باعتباره محركاً لدفع عجلة الابتكار نحو المستقبل، فما دور الذكاء الاصطناعي في عالم التصنيع؟ وما التحديات في هذا القطاع؟
أدى توظيف الذكاء الاصطناعي في مراحله الأولى إلى تحولات جذرية في قطاع التصنيع، وتوفير فرص جديدة للأتمتة وتحسين الأداء والابتكار، وهو ما ساهم في تحسين الكفاءة، وخفض التكاليف، والحفاظ على مستوى الجودة، كما يُستخدم الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالأعطال بناءً على معدلات الإنتاج، مما يساعد الشركات المصنعة على تحديد المشكلات ومعالجتها قبل حدوثها بإجراء الصيانة المناسبة.
وفي الآونة الأخيرة زادت أهمية مجالات الذكاء الاصطناعي كالتعلم الآلي ومعالجة اللغات الطبيعية والرؤية الحاسوبية ودعمها لإنترنت الأشياء.
فقد أصبح لدى الشركات المصنعة بيانات أكثر من أي وقت مضى، ويمكن تحليل هذه البيانات ومعالجتها بواسطة خوارزميات الذكاء الاصطناعي من أجل تحسين عملية صناعة القرار، وتطوير العمليات، وإنشاء نماذج أعمال جديدة؛ مما يجعل أنظمة إنترنت الأشياء أكثر ذكاء وأكثر كفاءة وقدرة على اتخاذ إجراءات استباقية.
يُستخدم الذكاء الاصطناعي في صناعات متعددة وله تطبيقات متنوعة، على سبيل المثال؛ في عالم تصنيع السيارات تقوم الروبوتات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي بتجميع أجزاء السيارات وإجراء عمليات الفحص للتحقق من الجودة، وتساهم هذه التقنيات في تقليل التكاليف من خلال العمليات، بدءاً من التصميم وحتى التصنيع، ومن خلال إدارة سلاسل الإمدادات بكفاءة أكبر، وتحديد المشكلات المحتملة في المركبات، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم بشكل فعّال في خفض تكاليف التشغيل والتكلفة الإجمالية للإنتاج.
تمتلك الأنظمة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي القدرة على تحديد العيوب بسرعة ودقة؛ ففي عملية إنتاج الأدوية، تقوم هذه الأنظمة بالتأكد من مطابقة المنتجات للمعايير، حسب المعايير المحددة مسبقاً في المنتجات الصيدلانية، بالإضافة إلى التغليف، ولا تعمل هذه القدرة على تسريع عملية الفحص فحسب، بل تحد أيضاً من خطر دخول المنتجات المعيبة إلى السوق؛ مما يحافظ على صحة وسلامة المريض وجودة العلامة التجارية. تمتد إمكانات الذكاء الاصطناعي إلى ما هو أبعد من عالم مراقبة الجودة؛ حيث يمكنها تحسين عمليات صناعة القرار طوال دورة حياة تصنيع الأدوية، وذلك من خلال تحليل البيانات، مما يتيح استخلاص رؤى قابلة للتنفيذ كما هو الحال في الصناعات الأخرى.
يعمل الذكاء الاصطناعي على إحداث طفرة في صناعة الفضاء، بدءاً من تحليل بيانات الأقمار الصناعية إلى تخطيط المهام، ومن الروبوتات إلى أجهزة التحكم الذاتي. لقد كانت صناعة الفضاء دائماً وما زالت رائدة في استخدام التقنيات المتطورة، وأدى تطبيق الذكاء الاصطناعي في صناعة الفضاء إلى تحسن كبير في مستوى العمليات.
بالإضافة إلى توفير التكاليف وتعزيز القدرات، كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين عملية التصنيع؛ مما يسمح لرواد الفضاء بإنتاج منتجات عالية الجودة بأقل قدر من الموارد، حيث يتم استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتصميم الأجزاء المطبوعة ثلاثية الأبعاد وتحسينها؛ مما يقلل الوقت والموارد اللازمة لإنتاجها.
إن إدراك نقاط القوة ونقاط الضعف لدى كل من الذكاء الاصطناعي والبشر يؤكد حقيقة أن لكل منهما دوراً مميزاً في التصنيع الحديث؛ فإن البشر بتنوعهم وإبداعهم وقدراتهم على حل المشكلات، يكملون كفاءة الذكاء الاصطناعي في أداء المهام المتكررة بسرعة ودقة وثبات، وعلى النقيض من عمل البشر أو الذكاء الاصطناعي بشكل فردي، فمن المتوقع أن يؤدي عمل العنصرين معاً إلى زيادة الكفاءة والإنتاجية.
ولهذا أصبح التعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي في أنظمة التصنيع أكثر شيوعاً في عصر الثورة الصناعية الرابعة؛ مما سيؤدي إلى تغير طبيعة عمل الإنسان في هذه الشراكة تدريجياً من حيث المسؤوليات الوظيفية ومتطلبات المهارات والتدريب.
وعلى الرغم من كل هذه التطبيقات، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي في التصنيع لا يخلو من التحديات، فليس دمج تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في التصنيع أمراً سهلاً، إذ إنه يتطلب إجراء دراسات وتجارب، وقياس مدى الكفاءة والتحسين في العمليات المختلفة، بالإضافة إلى ضمان جودة البيانات ودقتها، علاوة على تمويل الشركات ورعايتها للمشاريع التحويلية.
كما أن هناك تحديات على صعيد التوظيف وتدريب القوى العاملة، فضلاً عن اعتبارات السلامة وخصوصية البيانات للشركات؛ وعلى الرغم من هذه التحديات، يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع على أنه محرك رئيسي للابتكار والنمو في قطاع التصنيع.
ومن خلال تسخير قوة الذكاء الاصطناعي، يمكن للمصنعين تحسين عملياتهم، وخفض التكاليف، وإنشاء منتجات وخدمات جديدة، وهو ما يجعله معززاً للابتكار في الصناعات، وركيزة حيوية لتحسين الإنتاجية، وتعزيز الابتكار، وعاملاً مهماً من أجل تحقيق ثورة هائلة في عالم التصنيع سعياً إلى مستقبل أكثر ذكاءً وفاعلية.