امرأة في الثالثة والستين استطاعت أن ترفع سيارة بيديها. لم تكن في مسابقة، بل رغماً عنها، أو بمعنى أدق دون وعي منها.
فقد وقع حفيدها الذي كان يرافقها فجاءت يده تحت طرف دولاب السيارة الخلفي فوجدت نفسها تلقائياً وبدافع حبها لحفيدها ترفع السيارة وتحرر يده.
نشر خبر هذه السيدة، لورا شولتز، من ولاية فلوريدا وأثار فضول الكثيرين. ذهبت معظم وكالات الأنباء والصحف إلى منزل السيدة. كان من بين الذين اهتموا بهذه الحالة النادرة كاتب مهتم بتنمية الشخصية والتطوير الذاتي ويدعى تشارلز غريف. فوجئ أنه بدل أن يجدها سعيدة وجدها حزينة ومكتئبة. استغرب وسألها عن سبب حزنها فقالت:
لا أريد أن أتحدث بالأمر، ما يحزنني أني فعلت ذلك في هذا العمر الذي كنت أراه مستحيلاً سابقاً، ماذا يعني ذلك؟ هل يعني أن حياتي كلها ضاعت ولم أحقق أشياء كثيرة كنت أراها مستحيلة ؟!.
يقول الكاتب إن السيدة لورا اكتشفت بعض أسرار الحياة وهو أن الخوف من القيام ببعض الأمور وإيهام النفس باستحالتها، قد يكون نوعاً من أنواع الهروب، وأن حياتنا عندما يحكمها الخوف حياة بائسة، فالخوف يمنعنا أن نكون ما يجب أن نكونه ونستحقه.
نتعلم من هذه الحكاية أن الخوف من الفعل أخطر على الإنسان من الفعل نفسه. وثمة قاعدة سلبية حكاها لي زميل مهنة زمان: «اعمل بجد، تخطئ فتعاقب.. لا تعمل بجد، لا تخطئ.. فتكافأ».
قاعدة انهزامية مدمرة للإنسان وللعمل الذي يمتهنه. طبعاً المسؤول عنها الموظف أو العامل نفسه ورب العمل الفاشل. ففي النهاية الأخير يخسر مصلحته والأول عمله.
الخوف من ماذا؟، إن من أسباب الفشل الخوف من الفشل. وهذا من أهم عوامل الثقة بالنفس، من ناحية قوتها أو ضعفها. وعندما تتوفر الإرادة يتحقق النجاح وتتعزز الثقة بالنفس.
هؤلاء آمنوا بنظرية أن الفشل خطوة أولى نحو النجاح ثم الشهرة العالمية. أعني توماس إديسون الذي أضاء العالم باختراع المصباح الكهربائي، ابراهام لنكولن الذي فشل عدة مرات إلى أن وصل إلى رئاسة أمريكا، ألبرت أينشتاين صاحب النظرية النسبية.
فنسنت فان غوخ أشهر رسامي العالم، أوبرا وينفري صاحبة أشهر برنامج أمريكي، هنري فورد الذي فشل ثلاث مرات قبل أن يؤسس شركته ويحدث ثورة في صناعة السيارات، وغيرهم..
لو خاف هؤلاء من الفشل لما حققوا ما حققوه.
لهذا السبب كانت المرأة حزينة لأنها أضاعت عمرها دون أن تدرك أن ما كانت تظنه مستحيلاً كان ممكناً لولا الخوف من الفشل. أيضاً ربما لنفس السبب أدركت غزة أن الخوف مقدمة للفشل فنزعت عنها الخوف وتحدت واحداً من أقوى الجيوش في العالم بشجاعة وصمود.
فشل حكومة نتانياهو وصمود غزة أحدث هذا التعاطف العالمي مع فلسطين. وأيقظ العالم على حقيقة «إسرائيل» ونشأتها على أرض فلسطين قبل خمسة وسبعين عاماً.
من أجل ما يسميه «الدفاع عن النفس» قتل نتانياهو ثلاثين ألف فلسطيني من أهل غزة معظمهم مدنيون أطفال ونساء، حسب اعتراف الرئيس بايدن، إضافة إلى حوالي مئة ألف مفقود وجريح ومصاب. استخدم أسلحة القتل والتدمير والتجويع والتعطيش وارتكب جرائم حرب غير مسبوقة وإبادة جماعية وضعت إسرائيل في قفص الاتهام في محكمة العدل الدولية.
نتانياهو أحدث شرخاً يصعب رتقه في المجتمع الإسرائيلي وفي الجيش. ومن أجل مصلحته الشخصية، وهذا كلام فئة كبيرة من الجنرالات والمسؤولين والمفكرين السابقين، يضحي بحاضر ومستقبل «الدولة». وهذا ما فلت لسانه في الإيحاء عنه بقوله «نخوض الحرب لضمان بقائنا».
ربما يعني بقاءه في السلطة وربما عدم زوال إسرائيل!