ثمة مفارقة ترصدها المراكز البحثية والاستراتيجية في الانتخابات الأمريكية المقبلة، هذه المفارقة تقول:

إنه للمرة الأولى سوف يلعب صوت الناخب الأمريكي من أصول عربية دوراً مرجحاً، في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي سوف تجرى يوم الثلاثاء الموافق 5 نوفمبر المقبل. ففي السابق كانت حصة الأصوات ذات الأصول العربية، تتوزع على الحزبين الديمقراطي والجمهوري بنسب متفاوتة.

وإن كانت تميل إلى الحزب الديمقراطي، وهذا ما لمسناه في انتخابات عام 2020، إذ إن الأصوات العربية، رجحت كفة الرئيس جو بايدن على غريمه دونالد ترامب في بعض الولايات، مثل ولاية ميتشيغان التي فاز فيها بايدن على ترامب بفارق عشرة آلاف صوت فقط.

المشهد الآن اختلف كثيراً، تبدلت الأرقام والمواقف. بايدن خذل من دعموه في الطريق إلى البيت الأبيض. الحرب الإسرائيلية على غزة محطة فاصلة وكاشفة.

الأصوات العربية أزعجها الانحياز الأمريكي الكامل لإسرائيل من خلال إرسال حاملات الطائرات والسلاح والذخيرة إلى حكومة نتنياهو التي استخدمتها أسوأ استخدام في حق المدنيين بقطاع غزة.

فالتقديرات الأمريكية نفسها تقول: إن 40 % من السلاح والذخيرة التي استخدمتها إسرائيل في الشهور الستة الماضية من الحرب توصف بالقذائف الغبية، لأنها لا تفرق بين المدنيين والعسكريين، وليس بها أجهزة توجيه، ولم تستخدمها الدول الكبرى والعظمى في آخر ثلاثين عاماً.

وبرغم ذلك لم يعترض البيت الأبيض على استخدام هذه الذخائر، التي أسقطت نحو 34 ألف شهيد، وأكثر من 80 ألف مصاب وجريح. هذا السلوك الأمريكي أحدث تغييراً هائلاً في الصورة الذهنية والنمطية عن الرئيس بايدن وحكومته في عيون الناخبين العرب.

هذا فضلاً عن إرسال أمريكا منذ السابع من أكتوبر الماضي، حاملات الطائرات والذخائر وأكثر من 25 طائرة شحن، حملت كل أنواع السلاح والذخيرة لدعم الجيش الإسرائيلي في الحرب على قطاع غزة.

كما أن الرئيس الأمريكي دفع الكونغرس لتخصيص نحو 14 مليار دولار، كمساعدات عاجلة للاقتصاد الإسرائيلي، واستخدام البيت الأبيض حق النقض «الفيتو» ثلاث مرات، ضد مشروعات قدمتها دول أخرى لوقف الحرب، وحتى عندما امتنعت أمريكا عن التصويت لتمرير قرار يدعو لوقف الحرب، أصرت على أن يكون مستنداً على الفصل السادس.

وليس الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فمن المعروف أن الفصل السادس، أقل إلزامية من الفصل السابع في تطبيق القرارات الصادرة من مجلس الأمن، وهو الأمر الذي يؤكد لجميع الناخبين الأمريكيين، سواء من أصول عربية أم غير عربية، أن الإدارة الأمريكية تعمدت وعن قصد، وضع العراقيل أو التهرب من اتخاذ قرار واضح، يوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

لاسيما أن العالم يعرف أن إسرائيل هي الحليف الرئيسي لأمريكا، وأن تل أبيب عبر تاريخها لا تستجيب لأحد، سوى للصوت والمطالب الأمريكية.

كل هذه السياسات والمواقف والقرارات التي اتخذتها إدارة بايدن في التعامل مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، قادت إلى خلق صورة سلبية وردود أفعال لدى الناخبين العرب، وتجسد ذلك عبر عدة مسارات، تمثلت في أن مائة ألف ديمقراطي في ولاية ميتشيغان، لم يعطوا أصواتهم للرئيس جو بايدن في الانتخابات التمهيدية.

وتكرر ذلك في ولايات أخرى متأرجحة، مثل ولاية بنسلفانيا أو فلوريدا أو جورجيا، وأريزونا، بالإضافة إلى قيام الناخبين العرب، بالشراكة مع ناخبين من أصول أخرى بتأسيس مجموعة تحمل اسم «غير ملتزم» .

وتهدف إلى حث الناخبين على عدم التصويت للرئيس جو بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة، أما المشهد الآخر فنراه في اعتراض جميع التجمعات التي حضرها الرئيس بايدن، وأعلن المشاركون فيها عن احتجاجهم تجاه سياسة بايدن، الداعمة للجرائم والمجازر الوحشية التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين والأطفال والنساء في قطاع غزة.

إذن نحن أمام شواهد عدة على الأرض، تقول إن دائرة تكتل الناخبين العرب تتسع يوماً بعد آخر، ضد مواقف وسياسات الرئيس بايدن، وأنه بحسب أحدث استطلاعات الرأي العالمية، فإن هذه الأصوات سوف تكون الرقم المرجح في مستقبل أمريكا والانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل.