أعجبني رد الشخصية الثقافية المتعددة المعارف الإماراتية، عوض بن حاسوم، الذي أتيحت لي فرصة محاورته، مؤخراً، على منصة «بودكاست»، التابعة لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، في موقعين اثنين، هما: الأول وكان هو الأوسع والأكثر تطرقاً فيه: حول نظرته وفلسفته من مسألة تركيز اهتمامه بتاريخ الحضارة الإسلامية، لا سيما تلك الحضارة التي قامت في الأندلس، بل وصل به الأمر في هذا التركيز أن ينتج حلقات تلفزيونية تحت مسمى «إسلامنا حضارة».
وكان إعجابي في الرد كمحاور، حينما أجاب مختلفاً عما هو دارج بين المثقفين بقول إن التاريخ هو امتداد إنساني للحاضر، وعند الأمم الحية هو من الدروس المستفادة في استشراف المستقبل بعد تقييمه ونقده، وليس كما يعتقد البعض بأن التاريخ هو التقوقع في الماضي والتعامل معه باعتباره ضرورة حتمية وصيرورة حياة.
وحتى يُسهل لنا نظرته هذه، استحضر لنا معنى وجود «متحف المستقبل» في إمارة دبي، المدينة الأكثر اهتماماً بصناعة المستقبل وليس استشرافه فقط، فعلاوة على أن هذا المتحف غيّر من سردية بناء المتاحف في العالم كله بما فيه الدول المتقدمة، فإن اسمه يمزج بين الماضي والمستقبل، حيث يعطي إشارة بأن الاهتمام بدراسة التاريخ ما هو سوى بداية التخطيط للبناء المستقبلي، كما أن الاهتمام بالحاضر والمستقبل ينبغي ألا يعني القطيعة عن الماضي، بل هو الأساس الذي تقف عليه الأمم لتعديل مسارها التنموي والنهوض مرة ثانية وإصلاح هفواتها، فكيف بحضارة أثرت الإنسانية بالقيم والمعرفة.
في رأيه، أيضاً، أن الحضارة الإسلامية أثرت الحضارة الغربية معرفياً في فترات تاريخية مهمة عندما تم نقل العلوم التي ابتكرها علماء المسلمين، خلافاً للحضارة الغربية التي دخلت إلى الشرق، والشرق هنا، عن بن حاسوم، هو الشرق الإسلامي، كان بهدف الاحتلال والسيطرة للاستفادة من ثروات هذه البلاد، ومع ذلك هو لا ينكر أن الشرق استفاد من الحضارة الغربية ولا يزال، ولكن استفادة الغرب من الحضارة الشرقية كانت أكبر في نقل مجتمعاته إلى حياة أفضل وتطورها بالمراجعات الفكرية الدورية.
أما عن مفهوم تكامل الحضارات فهو غير موجود في فلسفته، وإنما الحقيقة الأقرب إلى الواقع هي تنافس إن لم يكن صراع الحضارات، وأكد ذلك من خلال طروحات المفكرين الأمريكيين، مثل: صمويل هنتنغتون في كتابه «صراع الحضارات»، وفرانسيس فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ والإنسان الأخير».
والموقع الثاني: حين تطرقنا في حوارنا إلى التطوير الحكومي الذي هو شغله الشاغل ولديه مؤلفات في هذا المجال، أهمها: كتاب «الديناصورات لا تجيد قيادة الكاديلاك»، كما لديه محاضرات ودورات تدريبية، بل لديه نظرية مكونة من خمس خطوات في التغيير الناجح إذا ما قرر مدير مؤسسة إجراء التغيير والتطوير.
وفي هذه النقطة ينطلق من أن المنهج النقدي هو أساس التطوير، على ألا يُفهم من «النقد» أن هدفه الانتقاص أو محاولة تصيد الأخطاء وكيل الاتهامات أو المزايدة على بعض، بقدر ما هو «النقد» الأداة المهمة لكشف الأخطاء وتحديد السلبيات وتقييم النتائج للاستفادة منها في معالجة حال المؤسسة أو الاستفادة منها في تصميم المستقبل، وهو في هذه النقطة يمتدح الغرب ويرى أن التطور الذي حققته حضارتهم يعود لاستخدامهم كل الوسائل التي تطور أداءهم، فبجانب النقد والمراجعات للنقلات الحضارية الضخمة هناك المخبر السري أو ما يعرف في حكومة دبي بالعميل السري، الذي استفادت منه في تطوير عمل مؤسساتها التي باتت اليوم أيقونة عالمية في الإنجاز والاستفادة من تجاربها.
الحوار الإماراتي الفكري تواكب مع إعلان موقع «إنفو فيلكس» للبيانات عن حصول مركز تريندز للبحوث والاستشارات على المرتبة الثانية من بين أفضل عشرة مراكز دراسات عربية من حيث الانتشار والتنوع المعرفي، وكما هو معروف، فهو مركز متخصص في مجال التفاعل الثقافي بين الحضارات من أجل تقريب وجهات النظر في القضايا التي تحقق السلم الإنساني والمجتمعي، فكان فرصة لاستضافة إحدى القامات الثقافية في دولة الإمارات للحديث حول جانب مهم في الثراء الحضاري بين الغرب والشرق.