في منتصف مارس الماضي، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً حول «تدابير مكافحة كراهية الإسلام». جاء القرار تتويجاً لفعاليات اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا (رهاب الإسلام)، التي جرت لهذا العام بمشاركة 140 دولة.
القرار دعا إلى إدانة أي دعوات للكراهية والتحريض على التمييز أو العداوة أو العنف ضد المسلمين، وهي تصرفات تتجلى في «تزايد حوادث تدنيس كتابهم المقدس ومهاجمة مساجدهم ومراكزهم الدينية ومقابرهم».
كذلك نادى القرار بتعيين مبعوث خاص للأمم المتحدة معني بمناهضة الإسلاموفوبيا. ويبدو أن الجمعية العامة استغلت المناسبة لتنشيط جهود التصدي عالمياً للتعصب الديني بكل أشكاله، فأهابت في قرارها بالدول الأعضاء إعداد التشريعات اللازمة لمكافحة القوالب النظرية والصور النمطية السلبية تجاه الآخرين، وأن تحظر بموجب القانون التحريض على العنف وممارسته انطلاقاً من الدين أو المعتقد.
نحن إزاء وصفة أممية يغلب عليها الطابع القانوني، هدفها التصدي لموجة من البغض والتربص بالمسلمين والإسلام.. موجة ليست بالمستجدة، لكنها راحت تتفشى بحيثية متسارعة، لا سيما في عالم الغرب، فضلاً عن نطاقات اجتماعية معينة في آسيا وأفريقيا، وذلك بالتزامن والتوازي مع حرب غزة.
تؤشر، مثلاً، إلى هذه الحالة، نتائج مقاربات إحصائية وعمليات تتبع وحصر وتحقق، اضطلعت بها مؤسسات ودوائر حقوقية حكومية وغير حكومية، معنية برصد أوضاع الجاليات الإسلامية والعربية في المجتمعات الأمريكية والأوروبية.. التي أكدت ارتفاع معدل حوادث الكراهية والتمييز بحق المسلمين والعرب والفلسطينيين، على نحو قياسي، خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من 2023 مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق.. وكان من الخطورة بمكان في هذا الإطار، اقتران بعض هذه الحوادث ليس بإلقاء الشتائم أو اللجوء للمضايقات أو تحقير الرموز الدينية، ونحو ذلك من تعبيرات البغض والنفور كما هو السائد في الأوقات العادية، وإنما التجاوز إلى التعامل بالعنف المسلح المفرط، إلى حد القتل مثلما حدث مع طفل فلسطيني في السادسة من عمره بولاية إلينوي الأمريكية، أو التهديد بالقتل كما حدث مع فنانين فلسطينيين شاركوا في مهرجان برلين السينمائي الدولي، لأنهم نددوا بالفصل العنصري في إسرائيل، وطالبوا بوقف إطلاق النار في غزة.
التفاقم في تعبيرات الإسلاموفوبيا، عطفاً على سياق الحرب في غزة، لفت بقوة نظر غوتيريش أمين عام الأمم المتحدة، الأمر الذي تجلى بوضوح في مداخلة تفصيلية له بالخصوص، نفهم منها أن هناك معركة أخرى تدور على جبهات ونقاط تماس في جميع أنحاء العالم، بعيدة بمسافات شاسعة عن ميدان غزة، لكنها تتصل وثيقاً بتفاعلاته وأصدائه، مؤداها تصاعد الكراهية والتعصب ضد المسلمين.
والحق أن شظايا هذه الموجة من الاحتقان على أرضية دينية، طالت بلظاها أيضاً بعض دوائر وتجمعات الجاليات اليهودية.. ومما يقال في ذلك بشيء من المبالغة بأن هذه الدوائر والتجمعات أضحت تعاني، في مناطق ارتكازها الكبيرة خارج إسرائيل، كالولايات المتحدة وفرنسا، من «لعنة غزة».
وفي تقديرنا أن علة هذه المعاناة، تكمن في دعوى إسرائيل ومزاعمها الشهيرة بتمثيل يهود العالم والتحدث باسمهم، ما يحملهم بعض أوزار أعمالها. ونحسب أن هذا الفهم هو الذي دفع الكثير من الرموز اليهودية المستقيمة دينياً وفكرياً وحقوقياً، على المستويين الفردي والجماعي والمؤسسي، للتعبير عن اشمئزازهم وغسل أياديهم من ممارسات إسرائيل في غزة، ورفع شعارات تفيد التبرؤ منها من قبيل «ليس باسمنا».
المقاربة الحقوقية لمعالجة كل ما يتصل بسلوكيات وتعبيرات الكراهية، وحث الدول على سن التشريعات والقوانين التي تحرم هذه السلوكيات وتجرم مقترفيها.. هذه المقاربة تظل منهجاً يستحق الثناء. لكن الأكثر جدوى ونفعاً ومكوثاً في الأرض بين يدي هذا المضمار الصعب، هو العمل على نزع الغل والحقد والكراهية والتعصب الديني من الصدور والعقول، بفعل ثقافي جذري بعيد الغور.
العبرة والشاهد هنا إجمالاً، أن الحلول السحرية لاستئصال بواعث وتجليات التعصب والعنصرية والكراهية عموماً، تقوم على تعامد المنهجين التشريعي القانوني والفكري الثقافي وتضافرهما معاً. وهو ما يستغرق وقتاً وجهداً استثنائيين وممتدين.
أما أسرع الحلول لتحييد مفعول ما يدور في ميدان غزة تحديداً، وتبهيت إشعاعاته السلبية الطارئة، فيستوجب وقف إطلاق النار وفض الاشتباك في هذا الميدان أولاً.. وعاجلاً.