منذ تشكيل مجلس التعاون الخليجي والهاجس الأمني في المنطقة يشكل محوراً مهماً في الرؤية الخليجية وأساساً من أسس التعاون الخليجي.
والأمر لم يأتِ من فراغ، حيث إن منطقة الخليج شهدت تطورات مهمة يجعل منها محط أنظار العالم.
كان لموقع الخليج أهمية كبيرة جغرافية في منظومة الهيمنة الاستعمارية البريطانية منذ القرن التاسع عشر. ثم تراجع الموقع الجغرافي إلى الموقع الجيواقتصادي مع اكتشافات النفط وزيادة الإنتاج. وأصبحت المنطقة أهم مصدر للطاقة في العالم. كما أن هذا التطور أردف الاقتصاد والذي تنامى بشكل متسارع مما زاد من أهمية المنطقة.
أصبح الأمن يكتسب أهمية كبيرة بعد استقلال معظم هذه الدول وتعاظم القوة الاقتصادية. ولكن لم تخلص هذه الدول إلى تطوير عقيدة أمنية واضحة. كانت هناك أفكار كثيرة لتطوير الأمن الجماعي لدول مجلس التعاون خلال مسيرة دامت ما يزيد على أربعة عقود.
وفي الشهر المنصرم شهدت الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي ميلاد أول مفهوم متكامل وعقيدة أمنية واضحة المعالم. فقد أعلن الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم محمد البديوي إطلاق «رؤية مجلس التعاون للأمن الإقليمي» قال عنه البديوي، إن هذه الرؤية «ليس مجرد التزام سياسي، بل هو التزام أخلاقي يجمعنا جميعاً، فأمننا المشترك هو الأساس الذي نبني عليه آمالنا وأحلامنا لمستقبل أفضل، وأننا في مجلس التعاون، نؤمن بأن الحوار والتعاون والتنسيق واحترام وجهات النظر يعتبرون من الأساسيات والدروع الحصينة لمواجهة كافة التحديات».
وتنطلق الرؤية من أن الأمن الخليجي واحد لا يتجزأ ومرتبط بمصير دول المجلس المشترك. وأن أي اعتداء على أي من دول المجلس يمثل اعتداء على الجميع. وفي نفس الوقت تدعم دول المجلس أمن وسلامة دول المنطقة وتسعى إلى تعزيز الأمن والسلم الدوليين.
واستعرضت الرؤية الجهود المبذولة لتعزيز الأمن الخليجي والمحافظة على السيادة الوطنية على أراضي وموارد الدول الخليجية. وأشارت الوثيقة إلى دور مجلس التعاون في جهودها لمعالجة الأزمات الإقليمية عبر المساعي الحميدة وتطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وبهذا تكون دول مجلس التعاون قد أكدت أهمية النظام العالمي القائم على قواعد القانون والأعراف الدوليين.
وفي هذا السياق ترى ضرورة حل القضية الفلسطينية على أساس المبادرة العربية والشرعية الدولية، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة في الخامس من يونيو 1967.
وتتفق الرؤية الخليجية مع الجهود الأممية لمنع انتشار أسلحة الدمار الشاملة ولاسيما الأسلحة النووية، وتطالب بجعل منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط منطقة خالية من هذه الأسلحة. وفي نفس الوقت تؤكد على حق الدول في استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية.
هناك بندان رئيسان تهتم بهما دول المنطقة وهي الممرات المائية التي تعرضت لتهديدات هكذا مرة مثل مضيق باب المندب ومضيق هرمز. ويعتبر هذان الممران المائيان ممرات مهمة لدول المنطقة والعالم. وعلى دول المنطقة والعالم الاهتمام بهذه المضايق لما لها تأثير على أمن المصالح الاستراتيجية لدول العالم.
البند الآخر يتعلق بالحركات المتطرفة والإرهابية. وترى الوثيقة ضرورة تجفيف منابع الإرهاب والتطرف. وضرورة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الجماعات المتطرفة والإرهابية.
كما أن الأمن السيبراني قضية تؤرق العالم. فتزايد الجرائم الإلكترونية تتطلب جهداً جماعياً. الفضاء السيبراني أصبح عصب الحياة الحديثة وتأمينه مسألة حيوية لكافة الدول. كما أن قضايا التغير المناخي والأمن الغذائي ونقله إلى الأسواق العالمية من المسائل التي يهتم بها المجلس وخاصة أن دول المنطقة تستورد معظم غذائها من الخارج.
رؤية أمنية مهمة ولكن تحتاج إلى خلق مؤسسات لتنسيق ومتابعة تنفيذها. وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.