كثير من القصائد في الشعر العربي تناولت المطر، من زوايا عديدة معظمها مرتبط بمشاعر الحب والحنين والشجون، والشوق لأيام ولت، وذكريات مضت، فيما أجاد روائيون في وصف مشاهده، مستثمرين صورته المنهمرة في مخيلة القارئ، الموجودة سلفاً قبل الغوص في تفاصيل عباراته.
فمنذ أن كنا صغاراً، كانت السماء تغيم في الشتاء ويهطل المطر، كما أنشد بدر شاكر السياب في «أنشودة المطر»، ولا يرفض الشاعر المتيم افتراش المطر، ما دام دثاره هو جفني محبوبه، كما في بيت محمد الماغوط في قصيدة «عيناك سريران تحت المطر»، وقد يرفض الشاعر دعوة الحبيبة للعودة إلى واقع الشمس، معلناً انتماءه إلى حزب المطر، كما اختار نزار قباني في قصيدة «حزب المطر».
وعلى الرغم من أن أعمالاً روائية كثيرة استوعبت مشاهد المطر، واستوحته بتنويعات عديدة، موظفة إياه في سياق سردي مدهش، على النحو الذي رأيناه عند نجيب محفوظ في رواية «حب تحت المطر»، وغيرها، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي، وما أتاحته من بوح آني أفرزت نوعاً آخر من التجارب.
أبرز ما يميز هذه التجارب الجديدة، أنها ليست توثيقاً محضاً وليست أدباً متخيلاً صرفاً، هي في منزلة وسطى بين الطرفين، تصف حدثاً حقيقياً عايشه الكاتب، مضافاً إليه هواجس وأفكار تخرجه من سياقيه المكاني والزماني، محلقة، ثم تعود إليه، في تجاذب وتباعد يختلط فيهما الواقع بالمتخيل.
ربما نكون بصدد ميلاد نوع أدبي جديد من حيث الشكل، ينبت تحت هطول المطر، ويمتد لكافة المناسبات التي يمر بها الكاتب، وتدفعه لأن يعبر عنها بذاتية، لا تعرفها سوى الأعمال الأدبية، والتي ستكون متأثرة هنا باستثمار السرعة الهائلة في إطلاع المتذوق عليها، والتفاعل معها، وفق ما هو سائد في منصات التواصل الاجتماعي، وقد تكون مؤهلة فيما بعد للنشر الورقي أو الإلكتروني، وفق تقاليد النشر المعروفة.
وبعد أيام تطول أو تقصر، ستجف حتماً الأمطار الاستثنائية التي هطلت على الإمارات مؤخراً، وسيبقى الأثر الأدبي، شاهداً وموثقاً للحظات وتجارب ومشاعر، وهذا هو سمت الأدب الواقعي، لا سيما في عصر الإعلام الرقمي، وسطوة وسائل التواصل الاجتماعي.