في آخر انتخابات رئاسية جرت في كوريا الجنوبية قبل نحو عامين، فاز الرئيس الحالي «يون سوك يول»، الذي خاض الانتخابات مرشحاً لحزبه اليميني المحافظ (حزب قوة الشعب)، على منافسه زعيم الحزب الديمقراطي «لي جاي ميونغ» بفارق ضئيل جداً بلغ 0.7 بالمئة، وهذه النسبة هي أضيق نسبة من الأصوات بين مرشحين في تاريخ البلاد. ومذاك لم ترتفع شعبية الرئيس «يون»، بل ظلت تعاني من الانخفاض. وقد قيل في أسباب ذلك، ابتعاده عن التصرف كسياسي، وانتهاجه، بدلاً من ذلك، أسلوب المواجهة والاستبداد في الرأي الذي ربما تشربه من عمله السابق كمدعٍ عام. ومن الواضح اليوم أن شعبيته تدهورت كثيراً وأن الرياح تعاند سفنه ولن تسمح له بمواصلة تنفيذ أجنداته وطموحاته.

نقول هذا على ضوء نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت مؤخراً والتي عدت بمثابة استفتاء على عهده. إذ أسفرت نتائجها عن فوز كبير لحزب المعارضة الرئيسي (الحزب الديمقراطي) الذي يمثل يسار الوسط وشركائه من الأحزاب الصغيرة (حصدوا معاً 192 مقعداً في البرلمان المكون من 300 مقعد)، ورغم أن هذه النتيجة أقل قليلاً من الأغلبية العظمى، إلا أنها تحقق سيطرة المعارضة على البرلمان بصورة أكبر من ذي قبل، وتكفي لمواجهة حق النقض الذي يتمتع به رئيس الجمهورية. وهذا، بطبيعة الحال، يجعل الأخير غير قادر على تنفيذ سياساته خلال السنوات الثلاث المتبقية من ولايته، بل يجعله أول زعيم لبلاده يحكم طوال مدة ولايته في ظل برلمان تقوده المعارضة.

ولسنا بحاجة هنا للإشارة إلى حاجة الرئيس «يون» إلى دعم برلماني (بات مفقوداً) لمواصلة سياسته المتشددة مع النظام الكوري الشمالي، خصوصاً في هذا الوقت الذي تدق فيه كوريا الشمالية طبول الحرب وتتوعد على لسان زعيمها «كيم جونع أون» قائلة «إن الأوضاع الجيوسياسية غير المستقرة المحيطة بكوريا الديمقراطية (الشمالية) تعني أن الوقت قد حان للاستعداد للحرب أكثر من أي وقت مضى»، طبقاً لما نقلته وكالة أنباء كوريا الشمالية عن كيم خلال تفقده جامعة «كيم جونغ إيل» العسكرية والسياسية في بيونغيانغ في وقت سابق من الشهر الجاري.

لقد شكلت نتائج الانتخابات التشريعية هذه صدمة كبيرة للرئيس «يون» وحزبه الحاكم بدليل أن زعيم الحزب الحاكم «هان دونغ هون» استقال من منصبه فوراً، فيما عرض رئيس الحكومة «هان داك سو» ومجموعة من كبار المسؤولين التنحي عن مناصبهم. أما الرئيس فلم يجد مفراً من احترام إرادة الناخبين مع وعد منه بالتحرك سريعاً لإجراء إصلاحات اقتصادية.

ومما لا شك فيه أن ما حدث يعكس استياء شعبياً من الطريقة التي أدار بها «يون» كوريا الجنوبية خلال العامين الماضيين. حيث إنه أولى جل اهتمامه بالقضايا الخارجية، رغبة منه في تعظيم دور ومكانة بلاده على الساحة الدولية. فكان ذلك على حساب التعامل مع الشأن الداخلي، ولاسيما القضايا المعيشية والاقتصادية.

وبعبارة أخرى، يمكن القول إن الكوريين الجنوبيين عاقبوا رئيس البلاد وحزبه الحاكم على قضايا مثل تزايد تكلفة السكن وارتفاع أسعار السلع الغذائية وتراجع فرص العمل، ناهيك عن فشله في تخفيف عدوانية نظام كوريا الشمالية، وإهمال حكومته للشيخوخة السكانية السريعة وعدم معالجتها إضراب الأطباء المستمر، وممارسة سياسة التقرب مع اليابان التي ينظر إليها غالبية الكوريين الجنوبيين كقوة استعمارية. ويمكن أن ندرج في هذا السياق أيضاً ما تردد عن قيام الحكومة بمحاولات وضغوط لإسكات زعيم المعارضة «لي ميونغ» عبر ملاحقته بتهم فساد ملفقة. هذا علماً بأن الأخير يمكنه الآن أن يطالب برد الاعتبار بعد أن التف حوله الشعب ومنحه صوته، بل يمكنه خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2027 والفوز بها.

ولعل متاعب الرئيس يون وحزبه الحاكم ستتضاعف في حال انضمام حزب «إعادة بناء كوريا» إلى حزب المعارضة الرئيسي وحلفائه، حيث إن هذا الحزب الذي تأسس حديثاً على يد وزير العدل السابق «تشو كوك» والذي حصل على 12 مقعداً برلمانياً، قد يقرر ذلك في حال استمرار ملاحقة زعيمه بتهمة الفساد.