لماذا يزور الناس معارض الكتب، ولا يكتفون بطلب «أوردر» لكتبهم المختارة من مواقع المكتبات الكبرى، سواء عبر «الأونلاين»، أو بزيارة فروعها المنتشرة، أو حتى عبر التواصل مع دور النشر، وستصلهم حتماً حتى باب المنزل، في الوقت الذي يحددونه لعامل التوصيل؟

لماذا تقام بالأساس معارض الكتب التي يرصد لها في الغالب ميزانيات كبيرة، يدعى إليها أدباء وشعراء، مثقفون وإعلاميون وعلماء، فتكون قبلة لملايين الرواد، ويعز في توقيتها الحصول على غرفة فندقية شاغرة في المدينة المضيفة، التي يصبح مطارها وجهة رائجة وقت إقامته؟

أسئلة كثيرة على المنوال نفسه لا أزعم الإجابة، لكن أحيل على الأقل لتجربتي الشخصية الأخيرة في زيارة معرض أبوظبي الدولي للكتاب، الذي استمر 7 أيام في العاصمة، وفيها تم تعديل أولويات خطة شراء الكتب، بعد أن طالعت أضعافاً مضاعفة منها، لم أكن بالأساس على علم حتى بعناوينها، ولكن ليس هذا هو الأهم.

معارض الكتب في ظني لا تقدم مجرد كتب، بل إن بضاعتها الأساسية هي المعرفة، والوعي، وصناعة حالة خاصة من التفاعل مع الكتاب وصانعيه، لا تتوافر، ولا تتحقق إلا في مثل هذه الطقوس، والأجواء، والملابسات، يعرف القائمون على صناعة معارض الكتب الدولية جيداً آلية توافرها.

لا أقصد هنا الفعاليات المصاحبة، أو الندوات والورش وضيوف المهرجان من مؤلفين وكُتاب وأعلام، أو التسهيلات اللوجستية المختلفة، أو حتى فرص لقاء أصحاب المؤلفات أنفسهم، ونقاشاتهم المفتوحة مع القراء، حيث أضحت هذه الميزة متاحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، ورغم ذلك يظل لأروقة معارض الكتب رونقها الخاص، ولرائحتها عطرها الأخاذ، الذي يعرفه جيداً روادها، فيجذبهم إليها، ويترقبون عبقه المميز العام تلو الآخر.

تجدهم يحسبون موعد انطلاقه قبلها بشهور، وإذا ضعفت عزيمتهم لشد الرحال من مدينة لأخرى في مناسبات مختلفة، فهي لا تضعف أبداً أمام إغواء معارض الكتب، التي يخرجون منها، ليس فقط بقائمة طويلة من المؤلفات التي بالكاد يفرغون من قراءتها قبل حلول موعد نسخته التالية، بل أيضاً بأصدقاء وخبرات ومعارف وتجارب جديدة.

وفي أروقة معرض أبوظبي للكتاب هذا العام صادفت صديقاً انقطعت السبل بيننا قبل ما يزيد على ربع قرن، وفي أروقته صادفت أعلاماً، لو تواعدنا لاختلفنا في الميعاد، بدليل انقطاع التلاقي سوى في هذه البقع السحرية التي تحمل اسم «معرض الكتاب»، وفيه صادفت أشخاصاً كنت لهم مجرد صاحب حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، فتحية لمدن تزدان بمعارض الكتب، حملت أسماء عواصم ومدن إماراتية وخليجية وعربية وعالمية، وتحية لمخلصين يعملون على ديمومة انعقادها بجاذبية لا يخفت وهجها.