قدمت السينما المصرية المأذون الشرعي، الذي يعقد القران ويوثق الطلاق، بأشكال مختلفة، وإن كان القاسم المشترك الوحيد هو ارتداء الزي الأزهري المكون من العمامة والجبة والقفطان، والتحدث باللغة العربية الفصحى، وحمل دفتر التوثيق، فقد رأيناه في بعض الأفلام يؤدي دوراً هزلياً لا يليق بمقامه ووقاره وصفته كأن يشارك معازيم الفرح في الرقص والغناء وإلقاء النكت أو كأن يتصف بالشراهة في الأكل، ومغازلة النساء والمساومة على الأجر (كما فعل سيد زيان في فيلم «24 ساعة حب»/ 1974 للمخرج أحمد فؤاد، وفي فيلم «احترسي من الرجال يا ماما»/ 1975 للمخرج محمود فريد).
ومن الأفلام الأخرى التي تم فيها توظيف شخصية المأذون للتسلية أو لاستدرار ضحك المشاهد: «إنت حبيبي»/1957، «إسماعيل ياسين طرزان»/ 1958، «بين ايديك»/ 1960، «اّه من حواء»/ 1962، «عروس النيل»/ 1963، «واحدة بواحدة»/ 1984.
ورأينا في البعض الآخر من الأفلام قيام بطل الفيلم العاشق بانتحال صفة المأذون من أجل إبطال زواج حبيبته من منافسه (كما فعل عبدالحليم حافظ مثلاً في فيلم «ليالي الحب»/ 1954 لحلمي رفلة، وكما فعل فريد شوقي في فيلم «مطلوب زوجة فوراً»/1964 لمحمود فريد)، علماً بأن فريد شوقي تخفى بشخصية المأذون أيضاً لإثبات براءته من تهمة لفقت ضده في فيلم آخر هو فيلم «أبوالدهب»/1954 لحلمي رفلة.
يأتي على رأس من جسدوا دور المأذون في السينما المصرية دون إسفاف الممثل والمخرج إبراهيم عمارة، يقابله الممثلون لطفي الحكيم ومحمد شوقي وعبدالغني النجدي وحسين إسماعيل وعثمان عبدالمنعم وحسن مصطفى، الذين أدوا الدور بصورة هزلية في معظم الأحيان. كما أدى الدور ببراعة كل من عبدالحميد بدوي، وزكي إبراهيم، وشفيق نور الدين، ومحمد إدريس، وغيرهم.
أما العبارات التي كانت ترافق تأديتهم للمشهد فقد صار الجمهور يحفظها عن ظهر قلب بسبب تكرارها ونمطيتها دون تغيير ابتداء بجمل مثل: أين وكيل العروس؟ وأين العريس؟ وأين الشهود؟ وهل لي ببطاقتك؟ وقل ورائي «قبلت الزواج بالصداق المسمى بيننا وعلى مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان»، وانتهاء بجملة «مبروك، وبالرفاه والبنين» أو «جعله الله زواجاً مباركاً».
من الأشياء التي صارت لازمة في مشاهد عقد القران في السينما أن يخرج المأذون من جيبه منديلاً أبيض يفرده على يدي العريس ووكيل العروس وقت تصافحهما.
وفي هذا السياق يخبرنا الناقد الفني الأردني زياد عساف في مقال له في صحيفة «الرأي» الأردنية بتاريخ (2020/10/8) بأن رجال الأزهر أوضحوا أن منديل المأذون بدعة لا علاقة لها بالدين، وأن استخدامه بدأ في العصر الفاطمي كي يستلم وكيل العروس من العريس من تحت المنديل وبعيداً عن أعين الحضور، مبلغ المهر المتفق عليه.
ورغم أن دور المأذون في السينما المصرية قصير جداً ولا يتعدى الثواني، إلا أن أفلاماً عديدة أقحمت اسمه في عنوان الفيلم جذباً للمشاهدين الباحثين عن حدوتة تتضمن دوراً كوميدياً ساخراً للمأذون.
ومثال ذلك أفلام: «الحقوني بالمأذون» (1954) لحلمي رفلة، «إلى المأذون يا حبيبي» (1977) لمحمود فريد، «البعض يذهب للمأذون مرتين» (1978) لمحمد عبدالعزيز، «البعض لا يذهب للمأذون مرتين» (2021) لأحمد الجندي، وطبقاً لزياد عساف (مصدر سابق) فإن توظيف شخصية المأذون في إطار كوميدي لقي استهجاناً من قبل مؤسسة الأزهر وجمعية مأذوني مصر، كما اعترض رجال دين كثر على مشاهد إتمام عقد الزواج تمثيلاً باعتباره زواجاً شرعياً صحيحاً.
والبعض الآخر من رجال الدين تطرق إلى مخالفات وخروقات شرعية أخرى ذات صلة بالمحلل وعدد الطلقات، أو لها علاقة بقيام المأذون بتوثيق طلاق امرأة من زوجها وعقد نكاحها في الوقت نفسه من رجل آخر دون انتظار انتهاء العدة الشرعية (كما جرى في فيلم «الزوجة الثانية»/1967 لصلاح أبوسيف)، أو اعتراضاً على تلقي المأذون رشوة من أجل أن يحلل ما حرمه الله في موضوع الزواج والطلاق، أو من أجل غض النظر عن موضوع موافقة العروس أو موضوع بلوغها السن القانونية.