يوماً بعد الآخر.. تزداد المخاوف.. تتلاشى خطوط الحسم.. تتسع دائرة اللايقين، كلما توغلت آلة زمن الحرب، وطال أمدها.
الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وضعت الجميع في حرج استراتيجي.. الخروج منه يترك جروحاً غائرة ناجمة عن الخسائر الفادحة بفعل الوقت المفتوح.
كل الأطراف المنخرطة في الحرب ستتحمل جزءاً كبيراً من التكلفة.
هناك أطراف عدة للحرب، إذا تحدثنا عن الأطراف المنخرطة مباشرة، فلابد أن نبدأ بالخسائر الإسرائيلية، فمنذ السابع من أكتوبر عام 2023، فشلت إسرائيل في التنبؤ بالحرب، وغياب التقدير الصحيح لتسليح الفصائل الفلسطينية، وعدم القدرة على تحديد أماكن أسراهم، وعدم تحقيق الهدف الاستراتيجي الذي أعلنه بنيامين نتانياهو، في بداية الحرب، بشأن القضاء الكامل على حركة حماس، وهو الهدف الذي صادف فشلاً كبيراً، باعتراف حلفاء إسرائيل أنفسهم، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي قال إن إسرائيل لن تستطيع القضاء على «حماس» في غزة، الأمر نفسه أكده جاك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي، وهو نفسه الذي أكد أن الحرب لن تأتي لإسرائيل بأي من أهدافها، فضلاً عن آلاف المهجرين من غلاف غزة، والحدود الشمالية مع جنوب لبنان، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمصابين.
وهو الأمر الذي أظهر للمرة الأولى منذ نشأة إسرائيل الحديثة عام 1948، أن هناك ميولاً انفصالية في الجزء الشمالي لإسرائيل، تحت مسمى «دولة الجليل الأعلى»، إلى ذلك لابد أن نتوقف عند الورقة الأهم في كتاب الخسائر الإسرائيلية، وهي بعنوان: «هيبة إسرائيل الضائعة»، فقد اهتزت صورتها النمطية داخل العقل الجمعي العالمي، سواء على المستوى الرسمي، أم على المستوى الشعبي، أما عن الخسائر الاقتصادية، فكل التقارير الإسرائيلية تؤكد وجود تراجع في التصنيفات الدولية للاقتصاد الإسرائيلي.
على الجانب الفلسطيني، فإن المعاناة الفلسطينية بلغت ذروتها، بدءاً من تقديم ما يزيد على 120 ألف فلسطيني ما بين قتيل ومصاب ومفقود وأسير، وتدمير للبنية التحتية بالكامل، بما فيها المستشفيات والكهرباء، والمياه والمدارس، والمنظمات الدولية، بصورة لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وتدمير المدن الألمانية، لاسيما أن تقرير الأمم المتحدة أشار إلى أن 70 % من البنية التحتية لقطاع غزة جرى تدميرها، وتحتاج إلى نحو 14 عاماً لرفع الركام، و50 مليار دولار لإعادة الإعمار، فضلاً عن أن سكان غزة الذين هم في الأصل مهجرون من أراضي فلسطين التاريخية عام 1948، وها هم الآن يتم تهجيرهم داخل القطاع أربع مرات: الأولى من شمال غزة إلى محافظة غزة، والثانية من محافظة غزة إلى دير البلح، وخان يونس، والثالثة من خان يونس، ودير البلح إلى رفح، والآن يتم تهجيرهم من رفح، إلى منطقة المواصي وخان يونس مرة أخرى.
أما على صعيد خسائر الأطراف المنخرطة بشكل غير مباشر، فنجد أن الولايات المتحدة الأمريكية، تفقد دورها كوسيط وراعٍ للسلام، بسبب انحيازها الكامل لإسرائيل، بل أصبحت تواجه تحديات كبرى على الصعيد الداخلي والشعبي، خصوصاً أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يخوض في الخامس من نوفمبر المقبل انتخابات رئاسية، هي الأصعب في تاريخ أمريكا.
الجانب الآخر من الخسائر الأمريكية، نراه في الحرب الروسية - الأوكرانية، فالواقع الآن يقول إن تركيز واشنطن في دعم إسرائيل، جاء على حساب دعم الجبهة الأوكرانية، الأمر الذي بات يهدد بخسارة استراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، وحلف الناتو، في مواجهة الكرملين، ناهيك عن خسارة أمريكية محققة لدى الشعوب العربية، فثمة جيل عربي غاضب لن ينسى مواقف أمريكا من الحرب الإسرائيلية على غزة.
وتيرة الخسائر الأمريكية نفسها تسجلها مؤشرات دول الاتحاد الأوروبي، ودول حلف «الناتو»، فهذه الدول اصطفت إلى جانب الرواية الإسرائيلية في البداية، لكنها استدارت قليلاً، بعد أن أدركت زيف وقسوة الرواية الإسرائيلية، فبعض هذه الدول ظلت على موقفها لصالح تل أبيب، مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وبعضها الآخر وقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، مثل إسبانيا، وإيرلندا، وبلجيكا، ومالطا.
ليس بعيداً عن هذه الخسائر، تلك الدول التي تأثرت مباشرة من تداعيات الحرب على غزة، فلا شك أن ما يجري في البحر الأحمر، والمشرق العربي، يؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي العربي، والمصالح العربية السياسية والاقتصادية.
إذن، بقراءة فاحصة، نجد أن خريطة الخسائر تغطي الجميع، وأن إطالة زمن الحرب، تطال أطرافاً أخرى جديدة، سواء في الإقليم، أم في العالم.