يتصور البعض أن الدعم والنصرة لا يأتيان إلا بصورة واحدة لا ثاني لها، أو أن الإغاثة لا تتحقق إلا بالبارود والنار.
ومن يده في الماء لا النار يظن أن البارود جاهز للتفجير 24/7 مدى الحياة، بغض النظر عن الظروف أو الأوضاع.
الوضع الراهن في المنطقة العربية ملتهب. والمراقب لما يجري حولنا يعتريه شعور بأن هناك من يبذل جهداً حثيثاً ليبقي المنطقة وأهلها محلك سر. وإن تقدمت خطوة أو خطوتين، يكثف جهوده لإرجاعها ثلاث أو أربع خطوات إلى الخلف، وهلم جرا.
جرى العرف، ومعه التاريخ والجغرافيا والجيرة والأخوة والإنسانية، أن تدعم الدول العربية فلسطين وأهلها منذ عام 1948. تعريف الدعم ليس واحداً جامداً. كما أنه لا يخضع لمعايير محددة يمكن تقدير أو قياس حجم الدعم وأثره على أساسها. وما كان يقدم من دعم أول من أمس، تحول إلى أشكال أخرى أمس، ويأتي اليوم بما يناسب التطورات والتحولات.
تحويل دفة المنطقة وإيقاع الحياة فيها من دقات طبول الحرب إلى أنغام السلام، أو حتى ما يشبه السلام والوئام، لم يكن يوماً سهلاً. المستحيل ليس في القاموس، لكن القاموس عامر بمفردات مثل الصعب والعسير والعرقلة والتعطيل والإفساد، وجميعها لا يمنع السلام والتقدم، لكن يؤخره قدر المستطاع.
وقد استطاعت حرب غزة الدائرة رحاها، وما ستسفر عنه من آثار تدوم عقوداً ربما وليس سنوات، أن تنال مما تمكنت المنطقة من تحقيقه بشق الأنفس، وذلك بدرجات متفاوتة تختلف من دولة عربية وأخرى. هذا التأثر، وتلك العثرات لا تعني أبداً التوقف عن دعم فلسطين وأهلها، فهو دعم التاريخ والأخوة.
لكن في الوقت نفسه، الأصوات التي تبزغ بين الحين والآخر من خلف الشاشات، حيث منصات التواصل الاجتماعي التي أعطت صوتاً للجميع يعكس بعضها أحياناً عواراً في فهم التاريخ وصعوبة في هضم الواقع.
الواقع مؤلم، وما يجري في غزة منذ اليوم التالي للسابع من أكتوبر، يصيب كل عربي، بل وكل إنسان بحزن ووجع عميقين. وما يجري يؤثر في المنطقة العربية برمتها.
وعلى الرغم من أن كلاً من الدول العربية، لا سيما دول الجوار أو تلك التي تعاني الأمرين، سواء بسبب آثار ما يسمى بـ«الربيع العربي» أو جراء صراعات، لديها مشكلات محلية أو أولويات تنمية أو خطط إصلاح وتطوير أو كل ما سبق، إلا أن هذا لا يؤثر في مقدار الدعم لغزة وأهلها.
مرة أخرى، الدعم أنواع. وتصورات الدعم التي يطرحها مستخدمو الـ«سوشيال ميديا» أو يطالبون بها، ليست بالضرورة ما يمكن تفعيله على الأرض. وعدم تطبيق ما يطالب به البعض عبر «فيسبوك» و«تويتر» وغيرهما لا يعني تقصيراً في الدعم أو تجاهلاً للوضع في غزة.
أن تكون مؤثراً عنكبوتياً أو شخصاً يمتلك حساباً يتابعه آلاف أو حتى ملايين الأفراد لا يعني بالضرورة أن تكون مدركاً وملماً بقدرات الدول وتوازنات القوى والخطوط الفاصلة بين الحلم والحقيقة.
وضمن الحقائق التي ظهرت جلية أمام المجتمع الدولي في ضوء حرب القطاع ما انكشف وتأكد من أن عجرفة البعض وجبروته ضربا عرض الحائط بكيان منظمة الأمم المتحدة وقراراتها ودعواتها وأنشطتها وعامليها. وبقدر ما يعكس ذلك ظلماً وخطئاً وعدواناً، إلا أنه في الوقت نفسه يكشف أن الأمور على أرض الواقع لا يمكن حلها أو مواجهتها بالأحلام أو طرح التصورات غير المنطقية أو غير القابلة للتنفيذ.
إنقاذ أهل غزة لن يتم بالأحلام. والوصول لحل قابل للتنفيذ والاستدامة عبر المشاعر مهما كانت صادقة ومخلصة. التسليم بأن القضية الفلسطينية منذ عام 1948 هي قضية كل عربي من شأنه أن يريح الجميع.
وفي كل مرة تندلع مواجهة أو يحتدم الصراع على مدار الأعوام الـ76 الماضية، فإن شعوراً يعتري كل عربي بأنه طرف في المواجهة على الجبهة الفلسطينية. كذلك الدعم، لا جدال فيه سواء كان بالإغاثة أو المفاوضات أو الوقوف على الخطوط الأمامية.