الزيارتان الآسيويتان اللتان قام بهما صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إلى كوريا الجنوبية وجمهورية الصين الشعبية خلال الفترة من 28/5/2024 إلى 31/5/2024 حظيتا باهتمام ومتابعة ليست شرقية آسيوية أو عربية فحسب، بل حتى من الغرب بسبب المكانة الدولية التي يحظى بها صاحب السمو رئيس الدولة، بالإضافة إلى ما تحمله هاتان الزيارتان من دلالات ومؤشرات ونتائج.
الزيارتان كانتا «زيارة دولة»، حيث يعد هذا النوع من الزيارات أعلى أشكال الاتصال الدبلوماسي بين الدول، مما يدل على المكانة الدولية لدولة الإمارات ولتأثير سياستها الخارجية وقوة دبلوماسيتها في العديد من القضايا الإقليمية والدولية. وتتم هذه الزيارات بناءً على دعوة رسمية من رئيس الدولة المضيفة ويكون الرئيس الضيف ضيفه شخصياً، ويتم استقباله بمراسم خاصة يظهر فيها حفاوة الاستقبال، كما أن الرئيس الضيف يقيم في أحد مقار الدولة الرسمية خلال فترة زيارته.
مؤشرات ونتائج الزيارتين تؤكد على قوة وعمق العلاقات الإماراتية - الكورية الجنوبية والعلاقات الإماراتية – الصينية، وعلى كل من يريد فهم العلاقات الدولية بين الدول عليه أن يرصد ويتابع نتائج الزيارات المتبادلة، خصوصاً في ما يتعلق بتوحيد وجهات النظر نحو القضايا ذات الاهتمام المشترك من الناحية السياسية، أما في الجانب الاقتصادي عليه التركيز على ما تم التوقيع عليه من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تعبر عن نوع العلاقة وقوتها، وعليه كذلك النظر والتأمل في ما يتم في هذه الزيارات، خصوصاً التفاصيل البسيطة كي يفهم مستوى العلاقة الحالية ويرى مستقبلها.
لقد رحب مستقبل كوريا الجنوبية (أعني الأطفال) بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان بأغنية إماراتية من كلمات الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، يقول في مطلعها «مرحبا يا هلا حـي بالشهامـة»، ولهذا دلالات كثيرة منها تأثير القوة الناعمة الإماراتية، وذكاء القيادة الكورية باختيار هذه الطريقة وهذه الكلمات، وفي الجانب الآخر كما تعودنا برز تواضع ونبل الشيخ محمد بن زايد من خلال تفاعله مع الأطفال ومصافحتهم.
نتائج الزيارتين تؤكد كذلك على عزم القيادات على تعزيز التعاون والترابط لتحقيق مصالح الشعوب، وهذا نراه جلياً واضحاً من خلال ما تحقق من توقيع مجموعة من الاتفاقيات والمذكرات تسهم في تعزيز التنمية وزيادة الفرص الاستثمارية والاقتصادية وتعزز من التكامل والتعاون بين دولة الإمارات من جهة والصين وكوريا الجنوبية من جهات أخرى.
لهاتين الزيارتين لرئيس الدولة، أبعاد وأهداف متنوعة سياسية واقتصادية واستثمارية وثقافية وعلمية، ففي البعد الجيوسياسي، تعتبر منطقة الخليج العربي ومنطقة شرق آسيا مناطق استراتيجية مهمة جداً على الخريطة السياسية، وبسبب أهميتهما تاهت السياسة الأمريكية بينهما في فترة ما واحتارت أيهما أهم وإلى أيهما تذهب حتى كادت تفقد أهميتها وتأثيرها «واشنطن» في منطقة الخليج العربي، المهم أن دولة الإمارات والصين وكوريا الجنوبية من الدول الفاعلة والمؤثرة على المستويين الإقليمي والدولي هذا من الجانب السياسي، كما أنها قوى اقتصادية مؤثرة، ودول صاعدة سياسياً واقتصادياً وعلمياً.
من الملاحظ أن دولة الإمارات والصين وكوريا الجنوبية تتشابه في العديد من الجوانب أهمها امتلاكها خبرات في المجالات التنموية والاقتصادية والاستثمارية ولديها تجارب ناجحة متنوعة وخبرة متراكمة في مجالات مختلفة. ومن الجدير بالذكر، أن الصين تعد الشريك التجاري الأول لدولة الإمارات، حيث بلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بينهما 284 مليار درهم في العام 2022 أي بنسبة نمو بلغت 27 %، كما أن الإمارات تعد الشريك التجاري العربي الأول للصين بنسبة بلغت 30 % من إجمالي تجارة الصين غير النفطية مع الدول العربية، كما تعد الصين ثالث أكبر مستثمر أجنبي في الإمارات بقيمة 23.3 مليار درهم في نهاية العام 2020.
أما بالنسبة إلى كوريا الجنوبية فتعد أحد أهم الشركاء التجاريين للإمارات، حيث بلغ حجم التبادل التجاري في العام 2022 19.5 مليار درهم بنسبة ارتفاع بلغت 14 % مقارنة بالعام 2021، وتعد كوريا الجنوبية من أهم الشركاء لدولة الإمارات في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والطاقة النظيفة.
المتابع للدبلوماسية الإماراتية يتضح له أن مكانة ووزن الدول لا يقاس بحجم مساحتها ولا عدد سكانها ولا حتى بتنوع مواردها الطبيعية، إنما من يحدد مكانها وحجمها بين الدول هو الفكر القيادي للدول، وتعمل عليه من تحقيق رؤية شاملة وتنفيذ خطط ومشروعات تنموية ومستقبلية تعود بالفائدة على شعب الدولة والدول والشعوب الأخرى.