تعد الانتخابات العامة في الهند هي الأضخم في العالم والأكثر تعقيداً بسبب مساحة البلاد الشاسعة وعدد من يحق لهم المشاركة، وبالتالي ضخامة عدد الدوائر الانتخابية والتعقيدات اللوجستية المرتبطة بها. ولهذا فإنها تجرى على مراحل تستغرق أسابيع عدة.

فمثلاً في انتخابات هذا العام أجريت على 7 مراحل واستغرقت 6 أسابيع، وشارك فيها نحو 650 مليون ناخب من أصل مليار يحق لهم التصويت، وذلك من أجل اختيار أعضاء البرلمان (لوك سابها) المكون من 543 مقعداً.

وكما جرت العادة خلال الانتخابات الثلاثة الماضية، شهدت البلاد احتدام المنافسة بين حزب بهاراتيا جاناتا القومي وحلفائه المنضوين تحت راية «التحالف الديمقراطي الوطني» الحاكم وبين «تحالف المؤتمر الهندي» المعارض، وسط طقس حار تجاوزت حرارته 45 درجة مئوية، ما أدى إلى تراجع نسب المشاركة بشكل جزئي (بلغت نسبة المشاركة في انتخابات هذا العام 66.3 % مقابل 67.4 في الانتخابات الماضية).

حاول التحالف الحاكم تكرار انتصاراته المدوية خلال انتخابات 2014 و2019، من خلال حملات انتخابية منظمة وحماسية استندت بالأساس على الترويج للإنجازات التنموية والاقتصادية التي حققها على مدى السنوات العشر الماضية بقيادة رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي، الذي حلم بأن يحقق حزبه (بهاراتيا جاناتا) لوحده أغلبية ساحقة تتيح له الانفراد بالحكم دون دعم من حلفائه.

لكن النتائج، لئن جاءت في صالحه، فإنها لم تصل إلى مستوى ما حققه في انتخابات عام 2019، إذ حصل تحالفه الحاكم على 293 مقعداً مقابل 230 لتحالف المعارضة، كما أن «بهارتيا جاناتا» لم يحصل بمفرده إلا على 240 مقعداً مقارنة مع 303 مقاعد فاز بها قبل خمس سنوات، بينما تمكن حزب المؤتمر لوحده دون شركائه من رفع عدد مقاعده البرلمانية من 52 مقعداً في الانتخابات الماضية إلى 99 مقعداً.

ولهذا قيل إن التحالف القومي الحاكم مني بخسارة معنوية، وإنْ نجح في تجاوز عتبة 272 مقعداً المطلوبة لتشكيل الحكومة المركزية المقبلة والبقاء في السلطة خلال السنوات الخمس المقبلة. ولم تمنع هذه الخسارة المعنوية مودي من التغريد قائلاً: «لقد وضع الناس ثقتهم مجدداً في التحالف الوطني الديمقراطي للمرة الثالثة على التوالي، وهذا إنجاز كبير في تاريخ الهند»، مؤكداً على أنه سيواصل العمل لتحقيق تطلعات الشعب.

من جانبها، احتفلت المعارضة بزيادة عدد مقاعدها، وإن اشتكى حزب البلاد التاريخي ممثلاً في «حزب المؤتمر الهندي» وأنصاره كعادتهم من استخدام «بهاراتيا جاناتا» للمؤسسات الحكومية في عملية استهدافهم عبر رفع القضايا الجنائية ضد رموزهم أو من خلال التضييق على حملاتهم الانتخابية بتجميد حساباتهم المصرفية لأسباب ضريبية ما حال دون تمكنهم من الإنفاق على حملاتهم، مشيرين تحديداً إلى قصة رئيس حكومة العاصمة نيودلهي «أرفيند كيجريوال» الذي يقود تحالفاً تم تشكيله لمنافسة مودي. هذا على الرغم من أن حكومة مودي أفرجت عن كيجريوال من معتقله الذي كان يقضي فيه حكماً بالفساد كي يقود حملته الانتخابية شرط أن يعود إلى سجنه فور انتهاء التصويت.

وقد بدا زعيم المعارضة راهول غاندي (حفيد رئيس الوزراء الاستقلالي الأول جواهر لال نهرو) سعيداً بالخسارة المعنوية لتحالف الحكم، بل أكثر سعادة لأن غريمه اللدود مودي لم يحصل في دائرته الانتخابية (مدينة فاراناسي الشمالية المقدسة لدى الهندوس) إلا على 152300 صوت مقارنة بنحو نصف مليون صوت قبل خمس سنوات.

إذ عده انتصاراً للشعب بقوله «إن الناخبين عاقبوا بهاراتيا جاناتا.. كنت على ثقة بأن شعب هذا البلد سيعطي الرد الصحيح».

لكن ما الذي جعل رئيس الحكومة ناريندرا مودي صاحب شعبية جارفة في بلاده وقادراً على الاحتفاظ بالسلطة للمرة الثالثة بعد عشر سنوات من وجوده في السلطة؟ طبقاً للمراقبين واستطلاعات الرأي، فإن مودي لئن كانت شخصية جدلية في داخل الهند وخارجها، فإنه زعيم قوي ومؤثر ومتحرك في جميع الاتجاهات وقريب من الجماهير فتمكن من الحصول على تأييد الملايين من فقراء البلاد بسبب المزايا الاجتماعية التي وفرها لهم ولم توفره الحكومات السابقة، ثم بسبب سياساته الاقتصادية والتنموية التي ارتقت بأحوال شعبه بصفة عامة، وحققت معدلات نمو بلغت 7 %، ناهيك عن سياساته الخارجية التي أمنت للبلاد موقعاً متيناً على الساحتين الإقليمية والدولية. مقابل هذا يرى معارضوه أن حكومته أضعفت المؤسسات الفيدرالية وقمعت المعارضة وقيدت حرية الصحافة وضيقت على الأقليات ولاسيما الأقلية المسلمة التي يتجاوز عددها 200 مليون نسمة.