أعلنت اللجنة الانتخابية في إندونيسيا الشهر الماضي بصورة رسمية ونهائية أن «برابوو سوبيانتو» سوف يكون الرئيس المقبل للبلاد، خلفاً للرئيس المنتهية ولايته ذي الشعبية الواسعة «جوكو ويدودو»، الذي حكم البلاد لفترتين ولا يحق له الاستمرار لفترة ثالثة، وأن السيد جبران راكابومينغ راكا (نجل ويدودو) سوف يكون نائباً لرئيس الجمهورية، هذا علماً بأن هذه النتيجة تأخرت شهرين بسبب قيام المرشحين الخاسرين في الانتخابات (حاكم جاكرتا السابق أنس باسويدان، وحاكم جاوة الوسطى غانجار برانوو) بالطعن في فوز برابوو ونائبه أمام المحكمة الدستورية، بحجة وجود عمليات احتيال وتزوير.
وبهذه النتيجة سيكون برباوو، الذي يشغل حالياً منصب وزير الدفاع في حكومة ويدودو، ثاني عسكري يقود إندونيسيا منذ الإطاحة بالدكتاتور سوهارتو عام 1998، من بعد الرئيس الأسبق «سوسيلو بامبانغ يودويونو»، محققاً بذلك حلماً لطالما سعى إليه، بدليل أنه حاول بالقوة خلافة سوهارتو (والد زوجته)، ناهيك عن أنه ترشح مرتين للرئاسة عامي 2014 و2019 وخسرهما أمام ويدودو.
والجدير بالذكر أنه قام بعد خسارته في انتخابات 2019 الرئاسية بحشد عناصر متطرفة من أنصاره الإسلاميين للقيام بأعمال شغب وتخريب انتهت بعد أن منحه ويدودو حقيبة الدفاع في حكومته سعياً من الأخير للحفاظ على الوحدة الوطنية والأمن والسلام، غير أنه في انتخابات هذا العام ظهر في صورة مرشح معتدل وبعيد عن تيار الإسلام السياسي، الأمر الذي تمكن معه من تحقيق نصر كاسح بحصوله على أصوات أكثر من 96 مليون إندونيسي (58.6% من إجمالي المقترعين).
على أنه في مقابل هذا الفوز الساحق فشل حزب «غريندرا» الذي أسسه ويتزعمه في تأمين عدد كافٍ من المقاعد البرلمانية كي يصبح قوة فاعلة وداعمة للرئيس في التصويت على مقترحاته وقراراته، حيث لم يفز إلا بنسبة 14.8% فقط من مقاعد مجلس النواب (86 مقعداً)، بينما فاز بالمركز الأول (110 مقاعد) حزب النضال الديمقراطي بزعامة الرئيس الأسبق «ميغاواتي سوكارنوبوتري»، يليه حزب جولكار (حزب أنصار الديكتاتور سوهارتو) بمئة ومقعدين.
ومعنى هذا أنه حتى لو تمكن جدلاً من التحالف مع بعض الأحزاب الصغيرة الممثلة في البرلمان فلن يستطيع سوى تأمين 48% من الأصوات، وهذا غير كافٍ لتمرير أجندات الحكومة المقبلة، وإنْ كان برابوو نفسه ليس بحاجة إلى أغلبية برلمانية للبقاء في منصبه.
ويبقى السؤال الأكبر الذي يتردد في جاكرتا الآن هو: «هل يستطيع برابوو قيادة إندونيسيا في ظل ما يدور حول شخصه وماضيه من جدل؟». وهناك سؤال آخر يتردد أيضاً هو: «هل بمقدور الرئيس الجديد المحافظة على الوحدة الوطنية ومواصلة الخطط التي رسمها ويدودو إبان ولايتيه للنهوض بالبلاد؟».
ومبعث السؤال الأول هو أن لبرباوو، جنرال الجيش المتقاعد، سجلاً أسود وتاريخاً طويلاً من انتهاكات حقوق الإنسان والخطف والتعذيب والقمع حينما كان قائداً للقوات الخاصة (كوباسوس)، ثم قائداً لقوات الاحتياطي الاستراتيجي (كوستراد) زمن حكم سوهارتو، وهو ما دفع واشنطن وقتها لإصدار قرار بمنع دخوله الأراضي الأمريكية.
أما السؤال الثاني فمبعثه الخشية من أن يؤدي طموحه في تعزيز موقعه للبقاء طويلاً في السلطة إلى التحالف مجدداً مع تيار الإسلام السياسي المتطرف، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى انقسام البلاد وتهديد الوحدة الوطنية.
أما لجهة السياسات العامة التي سوف ينتهجها، فإن المعتقد، طبقاً لتصريحاته، هو مواصلة أجندة سلفه دون القيام بمبادرات جديدة أو إصلاحات هيكلية، بمعنى التمسك بسياسات ويدودو حول تحديث وتوسيع البنية التحتية، بما في ذلك مواصلة بناء العاصمة الجديدة (نوسنتارا)، وتنفيذ خطط اقتصادية قومية تشمل فرض قيود على تصدير المعادن لتشجيع التصنيع المحلي، وتقييد استيراد الأرز والسلع الزراعية لدعم الناتج المحلي.
فإذا ما علمنا أن مختلف الأحزاب السياسية الممثلة برلمانياً لا تختلف على هذه البرامج والخطط، فإنه لا خشية من مواجهات تشريعية بين نواب حزب الرئيس ونواب الأحزاب الأخرى تفرض الاحتكام إلى رأي الأغلبية التي يفتقدها برابوو في البرلمان، لكن المشاكل والمواجهات قد تحدث في حالتين هما:
1ــ مناقشة القضايا الدينية الحساسة، مثل موقع الدين في الدولة، ووضع المرأة في الحياة العامة، وحقوق المواطنين غير المسلمين.
2ــ مناقشة ميزانيات الدفاع والتسليح والسياسات الدفاعية، خصوصاً وأن مشرعين ومتنفذين وسماسرة وقفوا سابقاً ضد خططه كوزير للدفاع لشراء مقاتلات قديمة من قطر العام الماضي. في هاتين الحالتين فقط سيحتاج برابوو للتودد إلى الأحزاب المعارضة ونوابها البرلمانيين لشراء دعمهم. وغالباً ما يتم هذا في إندونيسيا بتقديم إغراءات، تتمثل في منح الحقائب الوزارية.