يروى أن الدستور الصيني قد كفل للعمال أخذ قيلولة قصيرة. ونراهم في الجامعات الغربية لا يتورعون عن وضع رؤوسهم على الأدراج الدراسية لدقائق يشحذون بها طاقتهم. العلم يقول إن الغفوة (أو القيلولة) تحسن مستوى التركيز، واليقظة، ومن ثم رفع الأداء العقلي، وتحسين المزاج، ودعم عمليات تعزيز الذاكرة.

في تقرير لجامعة هارفارد قرأت أن القيلولة إذا تجاوزت نحو أربعين دقيقة فإن المزاج يبدأ بالتعكر. وربما لهذا جرى العرف أن تغفو الشعوب لنحو عشرة إلى ثلاثين دقيقة. ويعوّد الآسيويون والصينيون تحديداً أطفال الحضانات على الغفوة المشروعة. حتى صارت جزءاً من تقاليد اليوم في العمل. ولما زرت إسبانيا فوجئت أن محلات كثيرة تغلق بُعيد وجبة الغداء وهي عادة كانت موجودة في متاجر الكويت والخليج قديماً والسبب يعود بشكل أو بآخر إلى عادة القيلولة.

عندما يطلب أحدنا غفوة في ثقافتنا قد يشير إلى قصور في نومه أو مؤشر على الكسل لكنه في بعض المجتمعات اليابانية الكادحة علامة على التفاني والإرهاق جراء عمل شاق. ويطلق اليابانيون على النوم في العمل مصطلح «إينيموري». بعض الأبحاث ترى أن ثلث ساعة في النهار تعادل نحو ساعة إلى ساعتين من النوم الليلي.

أشبه الغفوة بزر «reset» في الهواتف الذي يعيد الإعدادات إلى هدوئها وطبيعتها وأدائها القوي. فمثلما لا يتحمل المرء تكالب الضغوطات الشديدة عليه، تشعر الأجهزة كذلك بحاجة إلى إعادة الأمور إلى نصابها بإعادة الضبط. ولذلك يشعر المرء بخفض مستويات التوتر ما أن يغفو لدقائق معدودة.

في دراسة نشرت في مجلة أبحاث النوم عام 2023، تبين أن الضغط على زر الغفوة الهاتفي «snooze» ليس له تأثير سلبي على جودة النوم، بل ووجد الباحثون أن هذا الفعل يحفز على اليقظة بصورة أسرع من النوم من دون انقطاع. بعبارة أخرى تبين أن «غفوة إضافية لمدة نصف ساعة في الصباح لا تجعلنا أكثر ولا أكثر عرضة للاستيقاظ من نوم عميق» بحسب الباحثة الرئيسية تينا سوندلين الأستاذة في قسم علم النفس بجامعة استوكهولم في السويد، وفق تقرير لـ«سي ان بي سي».

مستشفى «مايو كلينك» يرى أن غفوة النهار لمدة قصيرة لا تؤثر على جودة نوم معظم الناس، لكن من يواجهون أرقاً أو كانت جودة نومهم ضعيفة ليلاً فقد تفاقم القيلولة حالاتهم. وكثرة الغفوات وطولها يؤثر بكل تأكيد على النوم ليلاً. ويميل «مايو كلينك» نحو معسكر من يفضلون الغفوة المثالية بحدود 10 إلى 20 دقيقة.

وقد حذرت هيئة الطرق والمواصلات في دبي مرتادي الطريق من أن «الغفوة لمدة خمس ثوان هي عبارة عن قيادة عمياء لمسافة 180 متراً أو أكثر وفق دراسة أجراها المجلس الألماني للسلامة تم نشرها في العام 2020» بحسب وكالة أنباء الإمارات (وام). ومن المفارقات أن الغفوة المتعمدة تعالج مخاطر الغفوة المفاجئة لقائدي المركبات، أي «وداوها بالتي كانت هي الداء» كما تقول العرب.

ولذلك تجد في الشاحنات الكبرى مكاناً خلفياً ليغفو فيه السائقون ممن يسيرون لساعات طويلة. وإلا كانت العواقب وخيمة. أذكر صديقاً تعرض لحادث مأساوي انقلبت على إثره مركبته وسقطت في «سفح» شارع مرتفع. يقول إنه لا يتذكر سوى لحظة الغفوة ثم وجد نفسه في العناية الفائقة بالمستشفى!

القيلولة «nap»هي الأفصح تعبيراً بلغتنا العربية وهي أطول قليلاً من «الغفوة» (snooze). غير أن الأخيرة هي التعبير الشعبي الدارج لمن يقيل في ساعات النهار. وسواء أكانت قيلولة أم «غفوة» فهي ليست عنصراً أساسياً في الاسترخاء واستعادة الحيوية فحسب بل هي ملاذ لمن يريد الهروب من عناء يوم طويل.