الكثيرون عرفوا الفنان المصري الكوميدي الظريف سعيد محمود أبو بكر، الشهير بسعيد أبو بكر، من خلال أفلام الأبيض والأسود في الثلاثينيات والأربعينيات والعقدين اللاحقين، والتي أضفى عليها شيئاً من المرح، بسبب ملامح وجهه، وخفة ظله، وسرعة حركته، وعفرتته وقفشاته، التي اختلفت عما كان يقدمه آنذاك زملاؤه الكوميديون الآخرون، من أمثال إسماعيل يس ومحمود شكوكو وعبد المنعم إبراهيم، حتى إنه لقب بـ «عفريت السينما المصرية»، كناية عن عفرتته وشغبه ومقالبه على الشاشة.
كان أبو بكر، المولود في طنطا في العشرين من نوفمبر 1913، واحداً من الممثلين الأوائل في السينما المصرية، ممن عانوا من الفقر وقلة الحيلة، وممارسة مهن متواضعة، قبل أن يبتسم له الحظ ويدخل عالم الشهرة والأضواء. حدث ذلك في عام 1932، حينما استعان به المخرج محمد كريم، وقدمه على الشاشة الذهبية في أول أدواره، من خلال فيلم «الوردة البيضاء» (أول أفلام الموسيقار محمد عبد الوهاب السينمائية)، ثم أشركه مجدداً في فيلمه الآخر «يوم سعيد» سنة 1940، من بطولة محمد عبد الوهاب والطفلة فاتن حمامة.
لم يأتِ اختيار محمد كريم له للظهور أمام عبد الوهاب في فيلمين من فراغ. فقد كان أبو بكر من أوائل الذين انضموا إلى فرقة أنصار التمثيل والسينما، مع عبد الوارث عسر، ومن أوائل من انضم إلى فرقة فاطمة رشدي المسرحية، ومن أوائل الملتحقين بمعهد المسرح عند افتتاحه عام 1945، على يد الفنان الكبير زكي طليمات.
وعلى الرغم من أنه شارك بالتمثيل في نحو 80 فيلماً، وعلى الرغم من أنه أخرج منذ مطلع الخمسينيات عدداً كبيراً من المسرحيات، مثل: «صندوق الدنيا»، «بابا عايز يتجوز»، «الناس اللي فوق»، وظهر بنفسه في عدد آخر من المسرحيات، مثل: «البخيل»، «مسمار جحا»، «مريض بالوهم»، «حركة ترقيات»، إلا أنه لم يقم بدور البطولة إلا في فيلم يتيم، في عام 1951، بعنوان «السبع أفندي»، مع شادية، من إخراج أحمد خورشيد، وهو فيلم لم يحظَ بنجاح، بسبب قصته المعتمدة على الخيال العلمي، الذي لم يكن مستساغاً لدى الجمهور في حينه.
غير أن صاحبنا تمكن من حصد شهرة مدوية، بعد تخصصه في تجسيد شخصية «شيبوب» (الأخ غير الشقيق للفارس عنترة العبسي)، بطريقة مضحكة، في الأفلام التي تناولت قصة «عنتر بن شداد» وعشقه لابنة عمه عبلة، وجميعها من إخراج نيازي مصطفى. وتضاعفت شهرته، حينما تشكلت فرق التلفزيون في مطلع الستينيات، حيث تم تعيينه مديراً لفرقة المسرح الكوميدي، ثم مديراً للفرقة الاستعراضية الغنائية.
توفي سعيد أبو بكر في السادس عشر من أكتوبر عام 1971، عن عمر ناهز الثامنة والخمسين، لكن الكثيرين لا يعرفون ظروف وملابسات انتقاله إلى جوار ربه في ذلك التاريخ.
لقد عانى فناننا لسنوات طويلة من مرض القلب، وظل صابراً على آلامه وأوجاعه، وهو يقدم الطرفة والبسمة لجمهوره، إلى أن تقرر أن يسافر إلى لندن لإجراء عملية جراحية صعبة في المستشفيات البريطانية. ومن سوء حظه، أن طائرته وصلت إلى لندن، في وقت كان فيه الضباب الكثيف يلف مطار هيثرو، ما جعل هبوط الطائرة مستحيلاً في تلك الظروف، وهو ما دعا الطيار لمتابعة الرحلة إلى مطار في إسكتلندا، ريثما ينقشع الضباب عن مطار هيثرو.
وخلال مدة الطيران ما بين القاهرة ولندن وإسكتلندا، والتي استغرقت أكثر من 17 ساعة، تعرض فناننا إلى أزمة قلبية شديدة، وهو محلق في السماء. ولأن الإمكانات الطبية في الطائرات في تلك الفترة، لم تكن متطورة كما هي اليوم، توقف قلبه، رحمه الله، وفارق الحياة في الجو وحيداً، إذ لم تكن ترافقه عائلته، لأنه لم يتزوج، ولم ينجب طيلة حياته.