محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الحالي عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب يوم 13 يوليو الجاري في ولاية بنسلفانيا، جاءت قبل أيام من انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في مدينة ميلووكي بولاية ويسكونسن الذي شهد اعتماد الحزب الجمهوري ترشيح ترامب رسمياً لخوض الانتخابات الرئاسية في نوفمبر هذا العام.

لمحاولة الاغتيال الفاشلة أبعاد وأسباب عدة، إلا أن ما يهمني هنا، هو أهم هذه الأبعاد من وجهة نظري، ألا وهو «العنف السياسي» وما قد يترتب عليه من مخاطر وأحداث وتداعيات لا تحمد عقباها على المجتمع الأمريكي وبالتالي على الدولة الأمريكية.

وحسب ما نشر بعد حادثة محاولة الاغتيال من تحقيقات وتحليلات ولقاءات إعلامية مع عدد من الكتاب والمتخصصين في الشأن الأمريكي الداخلي، نجد أن غالبيتهم حذروا من المستقبل الذي من الممكن أن يجلب على المجتمع الأمريكي مزيداً من الانقسامات، وهناك من يتخوف بل يتوقع حدوث حرب أهلية بسبب خطابات التحريض والكراهية التي يستخدمها عدد من القادة والنخب السياسية الأمريكية.

صفة التشكيك أصبحت ظاهرة وواضحة للمتابع والمراقب لتصريحات المسؤولين الأمريكيين عند الحديث عن الطرف الآخر، ومع التشكيك يطرحون خطاباً تحريضياً ضد الآخر، ما يعزز الانقسام الداخلي في المجتمع، وبالتالي يهدد الوحدة الوطنية ويعزز بروز وتغذية الهويات الفرعية سواء كانت حزبية أو ثقافية أو أيديولوجية أو حتى مصلحية.

في هذا الجانب هناك من يؤمن ويعتقد بأن الحادث كان مخططاً له ومدبراً ولا يمكن ولا يعقل أن يكون حادثاً فردياً، خاصة أن الشاب مرتكب الجريمة استطاع أن يتحرك ويتصرف بحرفية للوصول إلى المكان المناسب في ظل وجود أفراد الأمن الذي يفترض من الاستحالة اختراق المكان في وجودهم، كما أن الشاب من الواضح أنه متمكن ومحترف في استخدام السلاح ولديه القدرة على إصابة الهدف بدقة عالية.

إلا أن هناك من يقول إنه في حال ثبت أن الفعل فردي، علينا طرح التساؤلات التالية: من دفع الشاب لفعل وارتكاب هذه الجريمة؟ ومن الذي زرع في فكره هذا التطرف والجرم؟، وهل له انتماءات لجماعات إرهابية متطرفة، أم أن خطابات التحريض والكراهية التي تدلي بها النخب الأمريكية وعلى رأسها النخب السياسية هي التي دفعته لارتكاب جريمته، أم هناك أسباب أخرى؟

حقيقة، هناك شبه إجماع على أن الولايات المتحدة تعاني من العنف السياسي، ومحاولة اغتيال ترامب ليست الأولى وهناك حالات كثيرة حدثت خلال السنوات الماضية مثل محاولة اختطاف حاكمة ولاية ميتشغان في العام 2020، ومؤامرة اغتيال قضاة المحكمة العليا في العام 2022، وغيرها الكثير.

وما يؤكد ذلك أنه قبل حادثة محاولة الاغتيال، كشف استطلاع أن الشعب الأمريكي عبر عن تخوفه من تصاعد وتيرة العنف السياسي، وبينت النتائج أن الثلثين من شريحة الاستطلاع لديهم تخوف من احتمال حدوث أعمال عنف بعد الانتخابات، وفي دراسة أخرى بينت النتائج أن ما يقارب من 50 % لديهم نفس التخوف.

كذلك هناك من الباحثين مثل الباحث السياسي الأمريكي «إيان بريمر» لديه مخاوف بأن تكون محاولة اغتيال ترامب بداية لموجة من العنف السياسي تتسبب بوقوع اضطرابات اجتماعية مستقبلاً.

حاولت الولايات المتحدة في العقود الماضية أن تعمم ثقافتها وقيمها على جميع دول وشعوب العالم، وروجت لشعاراتها كالديمقراطية وحرية التعبير والرأي، وسعت لتكون القيم الأمريكية هي القيم العالمية، هنا لن أناقش استحالة ذلك بسبب أن كل مجتمع له قيمه الخاصة وثقافته التي يفتخر ويعتز بها ولكل دولة ظروفها الخاصة.

هنا أطرح تساؤلاً: لماذا لم تستطع أمريكا أن تعزز هذه القيم في مجتمعها؟، بل من الواضح أن ما تحقق سابقاً بدأ ينهار في السنوات الأخيرة، هل بسبب حالات الاستقطاب وخطابات التحريض والكراهية؟

ولا ننسى دور الآلة الإعلامية الأمريكية الضخمة وما تقوم به من بث رسائل وتعزز قيماً معينة، بدءاً من أفلامها التي تركز على العنف والقتل والإجرام في أغلبها وصولاً إلى انتقاد المؤسسات الحكومية والتركيز على عيوبها، ما يؤثر على نظرة ورضا المواطن الأمريكي لمؤسسات الدولة.

على النخب السياسية والقيادات الحزبية والمؤسسات التوقف لمراجعة وتحليل الوضع الأمريكي، فالنظام العالمي يمر بتغيرات جذرية وصعود قوى دولية وإقليمية أصبح حقيقة ملموسة، وللتعامل مع هذا الوضع ولتبقى أمريكا دولة عظمى عليها أن تراجع وضعها الداخلي وقوة تماسك المجتمع ووحدته.