تعد عائلة البسام النجدية التميمية التي حملت هذا الاسم نسبة إلى جدها الأكبر «بسام بن عقبة بن ريس بن زاخر» الذي ينتهي نسبه إلى نزار بن معد بن عدنان، من الأسر العريقة كثيرة الذكر في الصكوك والأوراق والوصايا والمؤلفات الخاصة بتاريخ الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية، لعدة أسباب لعل أولها حرصها على تعليم أبنائها وبناتها، ما جعلهم متميزين عن أقرانهم في أزمان لم يكن فيها الكثيرون يكترثون بالتعليم والعلوم والمعارف، وثانيها امتهانهم لمهن مهمة كالقضاء والتجارة والزراعة، وثالثها اتصافهم بالصدق والأمانة في أنشطتهم ومعاملاتهم وتسامحهم إزاء الآخرين وحبهم للخير ومساعدة الناس، ورابعها مصاهراتهم الكثيرة مع العائلات السعودية والخليجية الكريمة، وخامسها عامل مهم وهو عشقهم للمغامرات والأسفار التي قادتهم من موطنهم في مدينة عنيزة القصيمية، إلى بلاد بعيدة طلباً للرزق وتحسين أحوالهم المعيشية، فانتشروا في عموم دول الخليج العربي والعراق وبلاد الشام وصولاً إلى كلكتا وبومباي في الهند منذ منتصف القرن التاسع عشر، قاطعين المسافات الطويلة على ظهور الإبل أو السفن الشراعية وسط ظروف صعبة، غير آبهين بمخاطر ومشاق الطريق، فكان أن أطلق البعض عليهم لقب «الطيور المهاجرة» كناية عن كثرة هجراتهم.

برز من هذه الأسرة الكريمة العديد من الشخصيات في مختلف المجالات، والكثير من الأسماء التي نجحت في تأسيس نفوذ تجاري واجتماعي لنفسها داخل وطنها السعودي وفي بلاد المهجر فدخلت التاريخ من أوسع أبوابه. ومنهم عدد سافر إلى الهند البريطانية حيث استقر وعمل في التجارة وكون أسراً وأنجب البنين والبنات وأسس علاقات وروابط مع علية القوم.

ومن هؤلاء الذين استوطنوا الهند وذاع صيتهم هناك في أوساط العرب والهنود على حد سواء: عبدالله عبدالمحسن عبدالرحمن حمد البسام، وأبناؤه: محمد وعبدالعزيز وعبدالمحسن، وعمهم: محمد عبدالمحسن عبدالرحمن البسام، وحمد السليمان البسام في كلكتا، وفي بومباي برز حمد محمد عبدالعزيز حمد البسام، وأخوه عبدالعزيز محمد عبدالعزيز حمد البسام، وأبناؤه عبدالله وعبدالرحمن وسليمان وحفيده حمد عبدالله البسام الذي أمضى في بومباي نحو 40 عاماً ممارساً التجارة مع أبيه ودارساً العلوم الطبية في كلية الملك إدوارد السابع إلى أن تخرج طبيباً ودخل التاريخ أول طبيب سعودي من نجد.

غير أن حديثنا في هذه المادة سيكون محوره شخصيتين أخريين من آل البسام في الهند، وهما محمد بن علي بن عبدالله الحمد السليمان الحمد البسام الذي تقاطعت سيرته مع سيرة عمه صالح بن عبدالله الحمد السليمان الحمد البسام.

وهذا الأخير ولد في عنيزة سنة 1862 وهاجر منها إلى بومباي سنة 1887 وهو في الخامسة والعشرين من عمره، فعمل هناك في استيراد وبيع التمور والذهب وتصدير الحراير والأقطان وغيرها من السلع هندية المنشأ، فازدهرت تجارته وتوسعت في العقد الثالث من القرن العشرين، وخصوصاً بعدما حصل على وكالة «الشماغ الأحمر» التي عرفت مذاك بوكالة «شماغ البسام».

لكن الرجل ترك الهند قبل قيام الحرب العالمية الثانية وانتقل للإقامة في البصرة عند أبناء عمومته من آل البسام الذين سبقوه إلى هناك، ليتوفى على أرض العراق في عام 1942.

وهكذا آلت تجارة شماغ البسام في الهند إلى ابن أخيه محمد العلي البسام، وإلى ولديه عبدالله صالح البسام، وعبدالعزيز صالح البسام، فقام محمد العلي البسام بتطوير شماغ البسام، إلى درجة صار لا يذكر فيها الشماغ إلا ويذكر اسم البسام أو العكس.

والحقيقة أن صالح البسام وقت قدومه إلى بومباي كان فقيراً، لكنه اجتهد وكافح في سبيل لقمة العيش من خلال العمل لدى أقاربه من آل البسام في الهند، حيث التحق بالعمل في المكتب التجاري للتاجر حمد بن محمد بن عبدالعزيز البسام الذي كان قد قدم من عنيزة إلى بومباي في 1864، وهو في السادسة عشرة من عمره وعمل لدى إحدى الأسر النجدية المقيمة هناك قبل أن يستقل ويفتح مكتبه الخاص لتصدير الشاي والحبوب والتوابل والبهارات إلى نجد والكويت والبحرين والبصرة، وبعد أن تعلم صالح البسام أسرار التجارة وادخر بعض المال من نشاطه، قرر أن يستقيل من عمله ويؤسس لنفسه تجارته الخاصة في تصدير المواد الغذائية. وشيئاً فشيئاً استطاع أن يتوسع بمعاونة قريبه وساعده الأيمن سليمان عبدالله البسام.

وحينما قرر الأخير ترك الهند إلى البصرة، استدعى صالح البسام إلى الهند من عنيزة ابن أخيه محمد العلي البسام (المترجم له) كي يعينه في أعماله.

وحرصاً منه على استمرارية وتطور أعماله، أسس مع ابن أخيه محمد العلي البسام شركة تجارية تحت اسم «مؤسسة صالح عبدالله البسام وشركاه» اتخذت من عمارة بدري بشارع ناجديفي في حي العرب ببومباي مقراً لها. في عام 1928 حصلت المؤسسة على وكالة الشماغ الأحمر من مصنعيه الإنجليز، فكانت تلك خطوة نحو تعزيز مكانتها، ثم تعززت مكانتها أكثر حينما قامت بشراء كامل المصنع في بريطانيا.

وبعد وفاة صالح البسام في البصرة عام 1942 كما أسلفنا، قرر محمد العلي البسام إعادة تأسيس الشركة كي تضم ورثة الراحل (ولديه عبدالله وعبدالعزيز). غير أن الشراكة انفضت بعد مدة ليقوم عبدالله صالح البسام، وأخوه عبدالعزيز، بتأسيس شركتهم الخاصة المستقلة عن محمد العلي البسام.

ورغم هذا الانفصال الذي حدث في وقت تراجعت فيه الأحوال التجارية في عموم الهند بُعيد استقلالها عن بريطانيا العظمى، فإن شركاتهم ومكاتبهم ظلت تعمل من ثلاثينيات القرن العشرين وحتى عام 2016.

وذكرت الزميلة الباحثة حصة عوض الحربي في الصفحة 226 من كتابها التوثيقي القيم عن العلاقات الكويتية الهندية في الفترة من 1896 إلى 1965، أن عبدالله صالح البسام ظل يتنقل ما بين بومباي والكويت إلى أن توفي بالأخيرة سنة 2011، بينما راح شقيقه عبدالعزيز صالح البسام يتنقل ما بين بومباي ولندن إلى أن توفي سنة 2003.

أما محمد العلي البسام فقد أثرى كثيراً وظل مقيماً في الهند مع زوجته «موضي بنت إبراهيم البسام»، وأبنائه علي وبسام وخالد ومضاوي ونورة ولولوة وفاطمة وفريدة وفوزية، حتى وفاته رحمه الله في بومباي في أكتوبر من سنة 1984، ودفنه هناك في المقبرة الإسلامية التي يوجد فيها أيضاً قبر زوجته موضي بنت إبراهيم، وقبر ابنه خالد وابنته مضاوي.

وبعد وفاته اشترك ورثته وأبناء صالح البسام مع شركة سعد العجلان وأولاده في إنتاج وتسويق وتصدير «شماغ البسام»، الذي مر أكثر من مائة سنة على تأسيس مصنعه في المملكة المتحدة.

تخبرنا الباحثة الحربي أن المرحوم محمد العلي البسام كان من الشخصيات الاجتماعية المعروفة سواء في المجتمع الهندي أو مجتمعات الخليج والجزيرة العربية، وكان صاحب حضور قوي في مختلف الفعاليات الاجتماعية والثقافية والتجارية المقامة في بومباي، الهندية منها والخليجية والعربية، مثل حفلات الترحيب بمقدم القادة العرب إلى الهند، لاسيما أمير دولة الكويت، حينذاك، الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح الذي اعتاد قضاء إجازاته في بومباي، وكذلك أمير قطر حينذاك الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني، والعديد من شيوخ آل مكتوم وآل خليفة، الكرام، ناهيك عن الاحتفالات والفعاليات التي أقيمت في بومباي عام 1955 احتفاء بالزيارة التاريخية الأولى والأخيرة للملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله إلى الهند بصحبة عدد من إخوانه وأنجاله، كما ارتبط صاحبنا بعلاقات وثيقة مع معظم التجار والوجهاء الخليجيين المقيمين مثله في بومباي أو المترددين عليها، إذ كان متواصلاً مع آل الشايع وآل الجناعي وآل بودي من الكويت، وآل الفوزان وآل زينل من السعودية، وآل الزياني من البحرين، وآل الدرويش من قطر، وآل النومان وآل المدفع من الإمارات.

إلى ذلك عرف بالتقوى والحنكة والكرم الفياض والبر والإحسان، فكان مثلاً يرسل زكاة أمواله وأموال البسام بانتظام إلى وكلائه في عنيزة لتوزيعها على الفقراء وذوي الحاجة، كما أنه تشارك مع الوجيه الكويتي المقيم ببومباي عيسى بن الشيخ يوسف القناعي في بناء مسجد أهل الحديث.

وخلال إقامته في الهند، تملك محمد العلي البسام العديد من البيوت في مختلف المناطق والأحياء، ومنها فيلا كبيرة خصصها لإقامته مع أسرته أطلق عليها «فيلا بسام» في منطقة «نيو مارين لين»، وأقام بها طوال فترة الأربعينات والخمسينات والستينات، قبل أن ينتقل منها في عام 1972 إلى منزل جديد بمنطقة «ويرلي سي فيس» الراقية، كما أنه تملك منزلاً للاصطياف في منطقة «ماتيران» ذات المناخ اللطيف والهواء البارد.

وحرص صاحبنا على تعليم أبنائه المولودين في الهند القرآن واللغة العربية وأحكام الدين، فاستقدم لهم لهذا الغرض اثنين من المدرسين من الكويت، وهما إبراهيم الحداد، وعبدالله رجب العبدالهادي، كما حرص على إتقانهم اللغة الإنجليزية منذ الصغر فجلب لهم معلمات هنديات خصوصيات، وحينما كبروا أدخلهم أفضل المدارس والجامعات الهندية. ومن ناحية أخرى، ورث الأبناء عن أبيهم حب البذل في سبيل الخير.

وفي هذا السياق نقتبس من كتاب الباحثة الحربي قولها في الصفحتين 226 و227، إن مضاوي محمد العلي البسام مثلاً عملت في رعاية الأيتام مع جمعية إسلامية خيرية في مصيف بونا القريب من بومباي، ومن أعمالها بناء دار للأيتام من أبناء المسلمين الهنود في بونا باسم أختها المتوفاة نورة محمد العلي البسام، وبناء قاعة للأفراح هناك باسم أختها أيضاً كي ينفق مردودها المالي على الأطفال اليتامى. أما نورة محمد العلي البسام، فقد ورثت من أبيها حب التواصل مع رموز المجتمعين العربي والهندي في بومباي، فكانت لها علاقات اجتماعية وطيدة معهم، كما أنها عشقت السينما الهندية والغناء الهندي فكان لها تواصل مع أشهر الفنانين الهنود المسلمين في زمنها مثل الممثلة والمطربة فاطمة راشد الشهيرة بـ«نرجس» (ت: 1981).

ولا تزال الابنتان فريدة وفوزية محمد العلي البسام تعيشان في الهند، بينما تزوجت الابنة فاطمة من الكويتي مساعد أحمد هاشم الغربللي وتقيم بدولة الكويت.