يبدو أن ما توقعه تقرير لمعهد الدراسات الدولية والاستراتيجية نهاية العام الماضي من أن سباقاً جديداً للتسلّح في آسيا سوف يشتعل، فيؤدي إلى المزيد من التوترات الإقليمية، قد بدأ بالفعل.

ففي التقرير المذكور الذي كتبه «توم كاراكو» و«ماساو دالغرين» في 2023، تمت الإشارة إلى اليابان والصين كطرفين رئيسيين في السباق المتوقع، مع بيان طبيعة السباق والمتمثلة في اختراع وتصنيع أسلحة غير تقليدية قادرة على مواجهة الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.

واليوم نقرأ في صحيفة «تشاينا مورنينغ بوست» الصينية أن العلماء الصينيين نجحوا في ابتكار رادار جديد يمكنه تتبع 10 صواريخ بسرعة 20 ماخ، بدقة تصل إلى 99.7 بالمائة.

وذلك باستخدام تكنولوجيات الليزر المتقدمة، مع خوارزمية جديدة، مضيفة أنه بوسع الابتكار الجديد نقل المعلومات بسرعة الضوء ومعالجة إشارات الموجات الدقيقة المعقدة وإلغاء مشكلة الصور الوهمية والأهداف الزائفة.

كما نقرأ في خبر نقلته صحيفة «نافال نيوز» البريطانية أن قوات الدفاع الذاتي البرية اليابانية سوف تبدأ اعتباراً من عام 2026 بنشر القذيفة الشراعية المتفوقة HVGP المصممة للدفاع عن الجزر.

والتي تزيد سرعتها على سرعة الصوت ويصل مداها إلى 900 كم (مع إمكانية زيادته بحلول 2030)، علماً بأن الحكومة اليابانية قامت بتسريع إنتاج هذا السلاح بالتعاون مع واحدة من أفضل شركاتها الصناعية وهي شركة «متسوبيشي للصناعات الثقيلة».

لا سيما أن حليفتها الأمريكية التي تعهدت بالدفاع عنها، باتت متخلفة نوعاً ما عن الصين في مجال الصواريخ الدفاعية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، لأسباب مختلفة.

حيث إن واشنطن استثمرت أكثر من 8 مليارات دولار في العامين الماضيين في تطوير الصواريخ الهجومية ذات السرعة المتفوقة على سرعة الصوت، بينما أنفقت أقل بكثير في مجال تطوير الصواريخ الدفاعية المضادة، ولا تتوقع وزارة الدفاع الأمريكية أن تشرع الولايات المتحدة في إنتاج صواريخ دفاعية مضادة للصواريخ التي تزيد سرعتها على سرعة الصوت قبل عام 2034.

مما لا شك فيه أن انجراف الصين إلى تحصين نفسها بمختلف الأسلحة المتطورة منطلق من سياساتها الرامية إلى التوسع والانتشار، ومنطلق من عقيدة الحزب الشيوعي الحاكم الداعية إلى بناء الصين الكبرى، شاملة تايوان والجزر الصغيرة المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي والشرقي.

ومنطلق أيضاً من ضرورات مواجهة ما يدبر لها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين من مخططات لتحجيمها واحتواء تطلعاتها وطموحاتها، خصوصاً وأنها، بسبب طبيعة نظامها السياسي الشمولي، لا تواجه أي اعتراض تشريعي أو شعبي على فكرة منافسة الآخرين في سباق التسلح، والإنفاق الهائل على المشاريع الحربية.

أما اليابان، التي لم تفكر، إلا في السنوات القليلة الماضية، في التخلي تدريجياً عن سياسات السلمية الطويلة والبدء ذاتياً في تطوير قواتها وآلتها العسكرية، فقد أملت عليها حالة الغليان في محيطها الإقليمي ومناوشات جارتها الكورية الشمالية، وتحالفات خصومها التاريخيين، أن تخوض سباقاً للتسلح من أجل حماية أمنها وسيادتها.

وذلك على الرغم من كل القيود القانونية التي تواجه حكومتها (المادة 9 من الدستور الياباني لا يجيز التوسع في العسكرة، إلا بالقدر الكافي للدفاع عن البلاد)، ناهيك عن القيود الشعبية ممثلة في معارضة تنظيمات أهلية محلية كثيرة لمسألة التوسع في الإنفاق الحربي.

ونستطيع القول إن ما دفع طوكيو وبكين إلى خوض سباق تسلح في مجال الأسلحة غير التقليدية تحديداً هو تحديات التتبع، بمعنى أن التتبع المستمر للصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت يتطلب أجهزة استشعار ذات قدرات استثنائية لجهة مواجهة تلك النوعية من الصواريخ القادرة على المناورات غير المتوقعة أو سلوك مسارات منخفضة لتجنب الرادارات الأرضية.

وذلك بهدف خلق بنية نموذجية تتكامل فيها الرؤية والدقة والحساسية والعدد المطلوب من الأقمار الصناعية من أجل اعتراض الصواريخ المهاجمة بنجاح.

وفي هذا السياق كتب «تانغ رونغ» في صحيفة «جيش التحرير الشعبي» الصينية اليومية ما مفاده أن الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت تعمل في الغالب على ارتفاعات قريبة من الفضاء.

وهذا يجعل من الصعب اكتشافها ويقلل من وقت استجابة أنظمة الدفاع لتدميرها، علاوة على ذلك فإن التأثير الجوي البصري الناجم عن رحلة ذلك السلاح، يصعب على النظام الدفاعي تتبع الهدف وتحديده واعتراضه بدقة بسبب اهتزاز الصورة وعدم وضوحها.