لا تفسير لدي لظاهرة خفة ظل بعض الشخصيات، التي اقتحمت السينما المصرية في سن الطفولة فلقيت قبولاً جماهيرياً واسعاً، لكن خفة ظلها توارت مع دخولها مرحلة المراهقة والنضج، لتجد نفسها وقد أصبحت عبئاً على المنتج والمخرج والمشاهد.

من بين هؤلاء «فيروز الصغيرة»، التي كانت في طفولتها قاسماً مشتركاً لمعظم أفلام الخمسينيات الاستعراضية، بسبب مواهبها في الغناء والرقص والحركة والتقليد مع قدرات استثنائية في إضحاك الجمهور وجذب انتباهه، وبراعة مشهودة خلال أداء المواقف الميلودرامية، وهي نفسها التي لم تجد ترحيباً مماثلاً حينما كبرت وقامت ببطولة عدد محدود من الأفلام، قبل أن تقرر اعتزال الفن.

ومثلها الطفلة المعجزة «إكرام عزو» بطلة فيلم «عائلة زيزي» (1963) للمخرج فطين عبدالوهاب، التي لم تواصل واعتزلت وانصرفت للحياة الزوجية.

وتشبه حالة فيروز الصغيرة، من حيث التوهج والتألق في مرحلة الطفولة ثم الانحسار في مرحلة الشباب حالة الطفل «سليمان الجندي»، أما حالة إكرام عزو فتقابلها حالة الطفل «أحمد فرحات»، الذي رحل عن دنيانا مؤخراً في 22 يوليو 2024 عن عمر ناهز 74 عاماً، قضى بداياته نجماً لا يشق له غبار في السينما، من خلال مجموعة أفلام لا تزال محفورة في ذاكرة المشاهد المصري والعربي إلى اليوم، على الرغم من ابتعاده عن الفن منذ ستينيات القرن العشرين.

ولد الطفل الغلباوي الفصيح ذو الوجه الملائكي واللسان الطويل وصاحب الأفيهات العفوية «أحمد فرحات» في القاهرة سنة 1950، واكتشفه المخرج صلاح أبو سيف، وأسند إليه دور الطفل في فيلم «مجرم في إجازة» سنة 1958 مقابل عشر جنيهات، بعد أن شاهده أحد معارفه في إحدى الحفلات المدرسية، وهو في الصف الرابع الابتدائي

. بعدها شق طريقه من نجاح إلى نجاح فقدم «شارع الحب» في عام 1958، وفيلمي «سر طاقية الإخفاء» و«شمس لا تغيب» في عام 1959، وفيلمي «إشاعة حب» و«غرام في السيرك» في عام 1960، وفيلمي «أنا وبناتي» و«إسماعيل يس في السجن» في عام 1961، وفيلمي «آخر شقاوة» و«معبودة الجماهير» في عامي 1964 و1967 على التوالي.

ليس هذا فحسب وإنما صار تيمة نجاح أي عمل، فالجميع كان يتفاءل به، بل كان النجوم يحجزون له مقعداً بينهم في صفوف البطولة، وكانت برلنتي عبد الحميد تجلسه على رجليها، وصباح تضع البنبون في فمه، وشكري سرحان يعلمه، وإسماعيل ياسين يصاحبه، وعبد الحليم يقربه، وعبد المنعم إبراهيم يعشقه.

العلامة الفارقة في حياته الفنية هي فيلم «سر طاقية الإخفاء» مع عبدالمنعم إبراهيم، وتوفيق الدقن، ومحمد عبدالقدوس، وبرلنتي عبدالحميد، وزهرة العلا، حيث أدى دور الطفل فصيح شقيق الصحفي عصفور قمر الدين (عبدالمنعم إبراهيم)، وكان عمره آنذاك 12 سنة، أما آخر أفلامه قبل انزوائه فقد كان فيلم «معبودة الجماهير»، الذي ظهر فيه وعمره 17 سنة.

ويعتبر فرحات الطفل المصري الوحيد الذي ظهر في أعمال سينمائية عالمية مشتركة، كان أولها فيلم «حدث في مصر»، الذي صـُورت مشاهده في المجر والنمسا، وثانيها فيلم «ابن كليوباترا»، وهو إنتاج مصري- أمريكي- إيطالي، أدى فيه فرحات دور طفل يهودي أمام شكري سرحان ويحيى شاهين وآخرين.

كاد فرحات أن يستمر في الفن منتشياً بالنجاحات التي حققها، لولا تأميم السينما أولاً في 1962، ثم هزيمة يونيو 1967 وهما الحدثان اللذان تسببا في هروب كبار نجوم السينما المصرية إلى لبنان كي لا يموتوا جوعاً، أما هو فقد انزوى في بيته مكتئباً لفترة قبل أن يقرر إكمال تعليمه بعيداً عن الفن كي يحصل على وظيفة توفر له لقمة العيش، وبالفعل أكمل تعليمه الثانوي.

وحصل على الثانوية بعد 5 سنوات، ثم التحق بالمعهد الفني الصناعي، وتخصص في شعبة الاتصالات التي كانت وقتها تخصصاً حديثاً. وبعد تخرجه تم تعيينه في رئاسة الجمهورية، التي ترقى فيها حتى وصل لدرجة مدير اتصالات مكتب رئيس الجمهورية، فعمل سنوات عديدة مع الرئيسين أنور السادات، وحسني مبارك إلى أن أحيل للتقاعد سنة 2007.