ثبت أن الوقاية خير من العلاج. وقال الأولون إن درهم وقاية خير من قنطار علاج.
والوقاية من الإرهاب خير من علاجه وتخصيص موارد لتعويض ضحاياه ورفع الاستعدادات القصوى لتحسب أخطاره.
خطر الإرهاب قديم قدم التاريخ. ربما لم تسمه الحضارات القديمة والممالك التاريخية إرهاباً، لكن يظل استخدام العنف ضد الناس لتحقيق غرض سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو ديني عملاً ارتبط بالإنسان منذ فجر التاريخ.
ومنذ فجر التاريخ أيضاً، يعلم البشر أن الوقاية من الإرهاب أو العنف أو الشراسة لا تتحقق إلا بمعالجة الجذور والتأكد من بقائها صحيحة معافاة.
صحة المجتمعات وعافيتها، لا سيما في منطقتنا الساخنة ليست بخير. أسباب الإرهاب ودوافعه ومنابعه والعوامل الضامنة لبقائه واستمراره «بخير».
قد يخفت الإرهاب حيناً، وذلك بتضييق الخناق على جماعة مثل «الإخوان» كما جرى في مصر. وقد تقل حدته بعض الشيء لفترة كما حدث بتطويق التحالف الدولي لـ«داعش» في العراق وسوريا.
وقد تصل أنظمة لاتفاقات ومراجعات وهدنات مع جماعات تنشط في بلدانها لبعض الوقت، وهو ما يجري في العديد من الدول. لكن لو قُدر لنا أن نجري قياساً لمعرفة نسبة الجهود التي بذلت لعلاج آثار الإرهاب مقارنة بتلك التي تم توجيهها لمنع الإرهاب من المنبع، هل تكون النسبة متوازية أو متوازنة؟ أم إن الكفة تميل لصالح جهود وأموال ووقت وموارد تم تخصيصها للمواجهة والمحاربة وقص الفروع والأوراق المعطوبة؟
العطب أمر واقع، لكن نسبته قابلة للتفاوض. مؤشر الإرهاب في المنطقة العربية في الربع الأول من العام الجاري الصادر عن «مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان» (منظمة مجتمع مدني مصرية) رصد انخفاضاً في عدد العمليات الإرهابية في المنطقة، لكنه رصد أيضاً استمرار مخاطر وعوامل تجدد الإرهاب.
وبحسب الرصد، فإن تنظيم «داعش» في العراق والشام يتعمد خفض عدد العمليات التي يتبناها، «لرغبته في عدم لفت الأنظار إليه في الوقت الحالي، سيما وأنها فترة لإعادة تجميع صفوفه وتجنيد مزيد من الأفراد»، كما أن فروع تنظيم «داعش» و«القاعدة» يمكن أن تتوسع في المستقبل إذا استطاعت احتواء خسائرها.
التوصيات معروفة للجميع، تعزيز التسامح الديني، مكافحة خطاب الكراهية، الاستثمار في برامج حقوق المرأة وتمكينها، وتعضيد الأقليات، وتوفير الخدمات الاجتماعية للفئات المستحقة.
وبالطبع مكافحة الفقر وأسبابه. وإهمال هذه العوامل يساعد على إبقاء شعلة الإرهاب متقدة، وهي العوامل التي يلجأ إليها المستفيدون كلما أعيتهم السبل اللازمة لتحقيق أغراضهم، أو تم توظيفهم من قبل أطراف أخرى لإشعال دولة هنا أو هدم دولة هناك أو إبقاء ثالثة على صفيح ساخن.
صفيح الإرهاب الساخن يعرفه كل عربي. ويمكن القول إن كل دولة من دول المنطقة ذاقت مرارته بشكل أو بآخر، لفترات بعضها طال والبعض الآخر لم يدم طويلاً. لكن المعضلة هي أن الخطر قائم لأن عوامله قائمة.
قيام التحالفات الحقيقية بين الدول العربية وبعضها البعض ضرورة حتمية للتعامل مع جذور الإرهاب، إضافة بالطبع إلى مواجهة الإرهاب القائم فعلاً. الجهود التي بذلتها وتبذلها بعض دول المنطقة، سواء بالتعاون مع بعضها البعض أو كل على حدة نموذج يحتذى.
المواجهة الأمنية كانت وما زالت حتمية، فالخلايا السرطانية تتكاثر رغماً عن العلاجات. أما العلاجات، فهي جديرة بالمتابعة، لا سيما أن العلاج الناجع ممتد المفعول يتم أحياناً بطرق غير تقليدية وعبر جهات لا تحمل كلمة «أمن» أو أي من مشتقاتها.
غاية القول هو أن الإرهاب وعوامله تحيط بالمنطقة، والدول والشعوب والمجتمعات الذكية وحدها هي التي تعي هذا الخطر، وتستعد له بالوقاية التي هي بكل تأكيد خير من علاج متأخر.