حتى قبل فوزه المتوقع برئاسة الولايات المتحدة للمرة الثانية، أثار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب زوبعة حول قضية تايوان.
فقد سجل عنه قوله إنه لن يدافع عن هذا الإقليم الحليف الذي تطالب به الصين وتهدد بضمه بالقوة. وفي مناسبة أخرى سجل عنه قوله إن على حكومة تايبيه أن تدفع مقابل حماية الولايات المتحده لها. هذان التصريحان أشغلا مراقبي الشؤون الدولية والآسيوية مؤخراً لما له من تداعيات خطيرة ــ في حال تنفيذه ــ على مجمل أوضاع الشرق الأقصى.
والحقيقة أن مساعدي ترامب سارعوا بتفنيد التصريح الأول، موضحين أن مرشح الحزب الجمهوري للسباق الرئاسي المقبل في نوفمبر من العام الجاري لم يقل إنه سيتخلى عن تايوان لمصيرها.
وإنما قال إن بكين ليست بحاجة لـ«غزو» تايوان التي تقع في مرمى صواريخها وترسانتها الحربية العملاقة، وإن الولايات المتحدة تفتقر إلى الميزات النسبية التي يتمتع بها الجيش الأحمر الصيني والمتمثلة في القرب الجغرافي، والمساحة الشاسعة وامتلاك قوة برية جرارة معززة بآلاف الصواريخ المضادة للسفن وآلاف الطائرات والمسيرات.
لقد كان ترامب واضحاً وواقعياً في قوله إن تايوان تقع على بعد أقل من 100 ميل من البر الرئيسي الصيني، وإن الصين لديها ما يكفي من الصواريخ لتدمير الجزيرة المنشقة إذا ما اختارت «غزوها»، لكنها ــ أي الصين ــ لا تريد تدمير المصانع التايوانية المنتجة لأكثر من 90 بالمائة من الرقائق المتقدمة، ولا تريد أن تقتل مئات الآلاف من التايوانيين الذين تعتبرهم مواطنين صينيين.
كما كان الرجل واقعياً في قوله إنه في حال تأزم الموقف بين تايبيه وبكين فإن باستطاعة الأخيرة أن تنتصر عن طريق محاصرة تايوان وقطع إمدادات النفط والغاز عنها وإبلاغ ناقلات النفط والغاز المتجهة إليها بمخاطر إغراقها في البحر، خصوصاً وأن تايوان تتمتع بقدرات تخزينية لا تكفيها إلا لمدة ثلاثة أسابيع فقط.
ويقارن الخبراء العسكريون هذه الميزات المتوفرة للصين بما لا يتوفر للولايات المتحدة في حال قررت تنفيذ تعهداتها الأمنية بالدفاع عن تايوان. فالجيش الأمريكي وقتئذ سيحارب على بعد 6000 ميل من وطنه، ولا يمكن لقوته النارية أن تضاهي قوة خصم قريب جداً من قيادة أركانه ومن مراكز تموينه وأكثر علماً بخرائط منطقة المعارك.
ويضيف هؤلاء إنه في حال اصطدام البحرية الصينية بالأسطول البحري الأمريكي من أجل تايوان، فإن النتيجة سوف تشبه تدمير الأسطول الروسي على يد اليابانيين في معركة مضيق تسوشيما، أثناء الحرب الروسية اليابانية من 27 مايو إلى 28 مايو 1905.
أضف إلى ما سبق حقيقة أن استخدام جهاز اعتراضي بقيمة مليون دولار لإسقاط طائرة بدون طيار بقيمة 5000 دولار في أي مواجهة عسكرية أمريكية ــ صينية بخصوص تايوان هو عمل خاسر.
وبعبارة أخرى فإنه حتى لو تمكنت الولايات المتحدة من صنع ما يكفي من الصواريخ الاعتراضية لمواكبة إنتاج الصين من الصواريخ، وكان بإمكان الأساطيل البحرية الأمريكية حملها إلى مواقع الاشتباك مع الصين، فإن تكلفة الدفاع الصاروخي التقليدي ستكون باهظة الثمن.
يقول ترامب ومساعدوه إن الجيش الأمريكي يعرف كل هذه الحقائق جيداً، لكن إدارة جو بايدن الديمقراطية تناور وتخادع كي تضفي على نفسها صفة حامية الديمقراطيات في العالم.
والمعروف أنه في السنوات القليلة الماضية تعززت العلاقات بين تايبيه وواشنطن في مواجهة قيام بكين بتكثيف ضغوطها العسكرية والدبلوماسية على تايوان، علماً أن إدارة بايدن وافقت في يونيو المنصرم على بيع أسلحة بقيمة 360 مليون دولار لتايوان، وأرسلت لها مئات الطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى معدات صاروخية ومواد الدعم ذات الصلة.
ومن مفاجآت ترامب أيضاً مطالبته تايوان بدفع تكاليف الحماية الأمريكية لها.
ففي مقابلة مع «بلومبورغ بيزنس ويك» في 17 يوليو الجاري قال: «يجب أن تدفع لنا تايوان تكاليف الدفاع، فكما تعلمون نحن لا نختلف عن شركات التأمين، وتايوان تسيطر عالمياً على صناعة الرقائق ولديها الكثير من الأموال»، وهو ما أشعل جواً من عدم اليقين حول نهج ترامب حيال تايوان إذا ما عاد إلى البيت الأبيض.
وهو أيضاً ما دفع تايبيه للرد عبر رئيس مجلس الدولة «تشو جونغ تاي» الذي قال إن تايوان على استعداد لتحمل المزيد من المسؤولية للدفاع عن نفسها، مذكراً في الوقت نفسه ترامب بأن من مصلحة واشنطن والمجتمع الدولي الحفاظ على السلام والاستقرار في مضيق تايوان؛ لأنه جزء لا يتجزأ من الرخاء العالمي.