حفزت الحملة الإعلامية التي سبقت أولمبياد باريس 2024 والتي افتتحت فعالياته الأسبوع الماضي في يوم الجمعة الموافق 25 يوليو الرأي العام العالمي والجماهير الرياضية في مختلف دول وقارات العالم لأن يروا حفلاً مبهراً بطريقة تليق بمئوية باريس التي كانت قد استضافت الأولمبياد في العام 1924 لكن ربما كما يقال في المثل العربي القديم: «الزين ما يكمل».
رغم أنني لم أزرها، إلا أن فرنسا معروفة ومشهورة بأنها بلد النور والجمال والثقافة وملهمة الحريات ومدرسة الإتيكيت وعاصمة العطور، دعونا نقول إنه «لا خلاف على ذلك» لكن أن يصل الأمر إلى المس بالمعتقدات الدينية والإساءة إلى القيم الأخلاقية والثقافية للعديد من الناس والمجتمعات في العالم من خلال المقطع الذي جسّد ما يسمى «العشاء الأخير» فهذا بمثابة استفزاز لمعظم الناس في العالم بغض النظر عن نوعية الديانة التي يعتنقها خاصة المسائل التي يرفضها الإنسان السوي والطبيعي ومن نشأ على فطرة سليمة.
مباشرة هاجت وضجت وسائل التواصل الاجتماعي واختلفت الآراء حول مضمون الحفل ورسائله، لكن الرأي الرافض لتلك المهزلة ومن الفرنسيين أنفسهم قبل الرأي العام العالمي كان أكبر.
مما دفع بمصمم الحفل الافتتاحي إلى الاعتذار عما سببه ذلك المشهد ما يدل على أن الفطرة الإنسانية السليمة ما زالت حية وإن تراجعت كثيراً نتيجة للأفكار التي تحاول إعطاء الإنسان الاستقلالية الكاملة وتجريده من القيم والمبادئ الأخلاقية فيما يعرف بالحرية الشخصية النابعة من المعتقدات الليبرالية المتطرفة.
اعتذار مصمم الحفل لا يعني انتهاء «التفسخ الأخلاقي» فما فعله حفل الافتتاح أنه أوجد شرعية على أرض الواقع لتلك الأقلية المنحرفة لأن تستغل ذلك الإعلان العالمي لممارسة أفعالها غير السوية والقذرة بكل جرأة، بل الخوف أن يتم التشريع لها في الحكومات الغربية خاصة بعد أن قادت نائبة رئيس الوزراء البريطاني الجديد أنغيلا راينر مسيرة للشواذ وبعد أن مهدت المرشحة الأمريكية عن الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية كامالا هاريس عن إمكانية دعمهم للحصول على حقوقهم كاملة.
دعونا نتفق على أن كل سلوك بشري يحتاج إلى وضع خط أحمر لا يتجاوزه، وإلا فإن عالمنا سوف يتغير في كل شيء وأخطرها تغير وانهيار الأخلاق والقيم.
والحدود أو الخطوط الحمراء يمكن استيقاؤها من منابع أولها بالتأكيد هي العقيدة حيث ترفض العقيدة السماوية تلك الأفعال المشينة والقذرة، كما أن العقائد الوضعية الدنيوية هي الأخرى لا تقبل بذلك الابتذال، وهذا يكون نابع من الفرد نفسه، فالوازع الديني مهم في تهذيب السلوك.
المنبع الثاني: يفترض أن تكون الأسرة، إلا أنه كما يبدو واضحاً أن الشخص أو الجهة التي تقوم بدور تربية النشء أو الطفل لم تعد واحدة المصدر، بل هناك وسائل التواصل الاجتماعي والرفقاء ووسائل الإعلام الذين أصبحوا جميعاً يشاركون بل ينافسون ويزاحمون الأسرة في التربية.
وهؤلاء الجدد يستقون قيمهم وأخلاقهم من أفكار أو قيم العولمة أو كما يطلقون عليها القيم العالمية التي أغلبها إن لم يكن كلها قيماً غربية «إن صح تسميتها بالقيم»، وبالتالي فمسؤولية الأهل باتت مضاعفة بل ومهمة في تلقين وزرع القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية لمجتمعاتنا بالشكل الذي يجعلهم أسوياء ووفقاً للطبيعة الإنسانية السوية والفطرة السليمة كما خلقها ربنا عز وجل.
لا أحد يعتقد بأن ما أطرحه هنا من رأي مسألة مثالية وأنه بمجرد اتباع ما قلته سنكون قد أنهينا المشكلة، فالحاصل هو أن التغير في القيم والأخلاق يتغير بمعدل كبير وسريع وخطير والأكثر من ذلك أنه لا يوجد مجتمع متفاعل مع العالم غير متأثر بهذا التغيير المدمر.
ولكن بنسب متفاوتة، وإنما ما أسعى إليه هو محاولة إيجابية لطرح فكرة إيجاد وتفعيل جهات تسهم وتساعد الأسرة في إعادة توجيه وحماية الشباب والأجيال الناشئة الذي يغلب عليه الفطرة السليمة والحياة الطبيعية، وذلك بدلاً من التهاون والرضوخ لأقلية منحرفة نصبت نفسها مرجعاً لنشر القيم الجديدة والتي هي مجرد أفعال وممارسات وأفكار فاسدة.
الفكرة هي أقرب لتكون كالجهود المبذولة على مستوى العالم لتعديل السلوكيات البشرية الفردية التي تضر بالمجتمع العالمي مثل الاحتباس الحراري والتغير المناخي فرغم وجود محاولات عالمية لتعديله هناك رافضون لهذا الإصلاح ولكن يبقى الأمل في الأجيال المقبلة، إن تمت حمايتها وتنشئتها وتربيتها على الأخلاق والقيم السوية.