شيء ما يحدث خلال هذه الفترة من مسيرة العالم يؤكد أننا أمام مرحلة جديدة من حركة التاريخ.
ويكاد يجمع أغلب المراقبين أن ما يحدث هو لأول مرة في التاريخ الحديث لهذا العالم الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية، وبعضهم يبالغون ويرجعون هذه الحالة إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى واستمرت تداعياتها إلى أن تسببت في قيام الحرب العالمية الثانية، فكان لا بد من الدول الكبرى في النظام الدولي (الحلفاء في ذلك الوقت) التدخل لوضع حد.
بمعنى آخر، إن الترهل في النظام الدولي وحالة الانفلات في النظام الدولي أديا إلى الكارثة الإنسانية إلى أن تدخلت قيادات دولية لها ثقلها السياسي ولها رؤيتها من حيث استقرار العالم مثل: وينستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت، وفرانكلين روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وغيرهم، حيث تم وضع مجموعة من المعايير والقيم التي نظمت العلاقة بين دول العالم، ولكن تآكلت تلك النظم بمرور الزمن بفعل الانتهاكات والتجاوز على صرامتها في تحقيق العدالة والسلام الدوليين.
العالم، يعاني حالة من الاضطراب المقلق في كل بقاعه، حيث لم يعد هناك إقليم خال من وجود الاضطرابات بما فيها أوروبا التي كان يعتبر استقرارها جزءاً من استقرار العالم، فالاحتجاجات حالة متكررة في أوروبا آخرها في بريطانيا بداية هذا الأسبوع، والتي ترى بعض التقييمات أن نتائجها خطيرة على أوروبا بأكملها، وقبل بريطانيا الحرب الأوكرانية - الروسية، أما القارات أو الأقاليم الأخرى في بقاع العالم فحدث ولا حرج، فالفوضى هي السمة الرئيسية لها خصوصاً منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
وما يزيد «الطين بلة» أن هذا الاضطراب والقلق، أصاب المؤسسات السياسية والأمنية الدولية مثل الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية المماثلة لها مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، بل إن حلف شمال الأطلسي (الناتو) المؤسسة العسكرية الأكبر والأقوى في العالم لم تعد باستطاعتها القيام بمهامها الرئيسية التي حددتها أثناء تأسيسها في 1959 وهو تحقيق الأمن الجماعي، أو حتى مهامها المستحدثة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وهو تحقيق السلام العالمي من خلال التعاون مع المنظمات الإقليمية في العالم.
ومن الممكن تلخيص أسباب حالة الفوضى المقلقة في العالم اليوم في عنصرين اثنين. العنصر الأول: غياب القيادات السياسية المؤثرة في النظام الدولي بالطريقة التي تجعل من تحركها أو كلمتها محل تقدير من باقي دول العالم، وهذا سببه حالة الاهتزاز والتردد في اتخاذ القرارات «العادلة» التي تحافظ على استقرار العالم، لذا نجد شخصية مثل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو يتخذ قرارات دون أي اعتبار للمنظمات الدولية أو الدول الكبرى، بل إن تنظيمات بوزن «حزب الله اللبناني» قد تتسبب بحرب إقليمية وهكذا.
العنصر الثاني: مرتبط بالأول وهو فقدان الدول الكبرى مصداقيتها لدى الدول الصغرى على اعتبار أن الدول الكبرى هي المسؤولة عن تحقيق العدالة التي تؤدي للسلام سواءً كونها صاحبة السلطة الدولية (الفيتو) أم لأنها صاحبة الثقل السياسي العالمي، ولكن يبدو أن حالة الترهل للدول الكبرى هي نتيجة للمشكلات والأزمات الداخلية بدرجة تهدد بحالة من ارتفاع العنف السياسي فيها وفي باقي أنحاء العالم.
أغلب التقارير الصادرة عن مراكز الدراسات العالمية تتفق على عدم اليقين الذي ينتظر هذا العالم، بل حتى تلك القيمة الديمقراطية التي كان الغرب يتباهى بها صارت تفرز ما يهدد استقرارها من الداخل وتنبئ بعودة قيادات شبيهة بتلك التي وصلت إلى السلطة في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية من اليمين المتطرف الذي لا يؤمن إلا بالمصلحة الفردية أو القطرية وكانت سبباً في نشوب تلك الحرب وهو ما يمثل خطراً على مفهوم الأمن الجماعي والأمن الدولي الذي لأجله أسست الأمم المتحدة.
قد يبدو حال عالمنا أنه يعيد ترتيب نفسه على المستوى العالمي والمستوى الإقليمي وهذا واضح جداً، ولكن قبل ذلك على المجتمع الدولي ممثلاً في المؤسسات الأممية والدول الكبرى التفكير في أساليب تدعو لها بعض الدول المدركة لتداعيات الحرب على الإنسانية وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة، وهذا الأسلوب: الحوار والتفاوض والتركيز عليه باعتبارها البديل الأنسب من التشاحن السياسي والعسكري.