ما الذي حدث في الأسواق العالمية الاثنين الماضي، ولماذا احمرت معظم شاشات البورصة بعد أن كانت خضراء، ولماذا في يوم واحد تراجعت أسعار النفط والذهب والعملات الرقمية، وبعض العملات النقدية التقليدية بمستويات قياسية؟
هل ما حدث بسبب الركود، الذي يخشى كثيرون أن يضرب الاقتصاد الأمريكي، وبالتالي العالمي، أم بسبب الصراع في الشرق الأوسط والخوف من مواجهة عسكرية بين إيران وإسرائيل، يمكن أن تتطور إلى مواجهة في الإقليم، بل يمكن أن تقود إلى حرب عالمية ثالثة كما يخشى البعض؟! الاثنين الماضي استيقظت معظم شعوب العالم، ومنها منطقة الشرق الأوسط على انهيار لمعظم الأسهم.
البورصة المصرية هبطت 2.33%، بعد أن بدأت بخسارة تقارب الـ 5%، وتراجعت البورصة السعودية 3.5% وهو أكبر تراجع منذ 2022، وهى نفس النسبة تقريباً في معظم بورصات الخليج العربي، التي خسرت 150 مليار دولار، خلال ثلاثة أيام.
نفس الأمر حدث في معظم البورصات الآسيوية، والضربة الكبرى كانت في البورصة اليابانية، حيث انخفض مؤشر نيكي 5.5%، وهو الأداء الأسوأ منذ 1987، في حين انخفض مؤشر توبكس الأوسع نطاقاً 7% ليكون إجمالي انخفاض المؤشرين خلال يوليو حوالي 20%. وبلغ إجمالي خسائر الأسهم اليابانية 570 مليار دولار. كما هوت بورصة تايوان لأدنى مستوى منذ 57 عاماً.
الأسهم الأوروبية تراجعت إلى أدنى مستوياتها خلال ستة شهور، حيث تراجع مؤشر ستوكس 600 الأوروبي 3.1%، وقبلها بثلاثة أيام شهد نفس المؤشر أسوأ أداء له خلال عشرة شهور، منخفضاً إلى ما دون 500 نقطة.
وفي الولايات المتحدة فإن الخسارة كانت أكثر وضوحاً، حيث افتتح مؤشر داو جونز ببورصة وول ستريت على هبوط 3%، وخسارة ألف نقطة، وستاندرد اند بورز سجل أسوأ أداء منذ 2022، وهبط بنسبة قاربت 3%، ومؤشر ناسداك هبط 6%، وهى أكبر وتيرة انخفاض منذ سبتمبر 2022، وأسهم التكنولوجيا سجلت أسوأ أداء.
وخلال سبع ساعات فقط بلغت خسائر وول ستريت 870 مليار دولار، ولذلك لم يكن مبالغاً فيه أن يطلق كثيرون مصطلح «اليوم الأسود» على معظم بورصات العالم يوم الاثنين، ورغم أن الذهب هو الملاذ الآمن التقليدي في حالة التوترات السياسية والعسكرية أو حتى هبوط الأسهم وتراجع العملات، إلا أنه تراجع أيضاً بنسبة 1%، ما فسره أدريان اشى، مدير الأبحاث فى بوليون فولت بأن تقلب الذهب يشير إلى مستوى الذعر الذي يجتاح أسواق الأسهم، علماً بأن الذهب كان قد بدأ رحلة التراجع في الأيام الثلاثة السابقة على «الاثنين الأسود» متأثراً بتراجع البورصات العالمية.
في نفس اليوم كانت قمة تراجع أسعار البترول، حيث بلغ سعر خام برنت القياسي إلى مستوى 76 دولاراً للبرميل وخام غرب تكساس إلى 72.6 دولاراً وهو تراجع كبير قياساً إلى متوسط الأسعار ظل طوال الشهور الماضية بين 80 - 90 دولاراً.
الانهيارات لم تصب أسواق المال التقليدية أو النفط أو حتى البترول، لكنها طالت بصورة أكبر سوق العملات الرقمية، فعملة البيتكوين انخفضت 10.98%، لتصل إلى 54073 دولاراً، ما أدى إلى هبوط القيمة الإجمالية للعملات المشفرة بنحو 270 مليار دولار، أما خسائر «ايثريوم» الرقمية فكانت أكبر من البيتكوين، حيث بلغت نقطة سعرها 2307 دولارات، بعد أن سجل الأصل خسارة تزيد على 20% في نفس يوم الاثنين الأسود.
بعد هذا العرض المعلوماتي فإننا نعيد طرح السؤال: كيف يمكن تفسير هذا التراجع الكبير؟ البعض كان يعتقد أن السبب هو التصعيد بين إيران وإسرائيل، وبالتالي فإن الخوف من مزيد من التصعيد بين الطرفين جعل البعض يصاب بالذعر من احتمالات توسع هذه المواجهة، لتصبح إقليمية وربما دولية.
لكن إذا كان هذا التفسير صحيحاً، وأحد أسباب التراجع الكبير في أسواق الشرق الأوسط بما فيها البورصة الإسرائيلية، وعملة الشيكل، فكيف يمكن تفسير التراجع في معظم البورصات الدولية خصوصاً الأمريكية والأوروبية والآسيوية؟!
الإجابة المنطقية التي يتفق عليها أغلبية خبراء الاقتصاد تكمن في ما أعلنه مكتب إحصاءات العمل، التابع لوزارة العمل الأمريكية، بأن معدل البطالة ارتفع خلال يوليو بنسبة 4.3% مقابل 4.1% في الشهر السابق، رغم أن المحللين كانوا يتوقعون استمرار المعدل كما هو، وهذا المعدل هو الأكثر ارتفاعاً منذ سجل 4.5% في أكتوبر 2021.
نتيجة لهذا البيان المخيب للآمال وبيانات أخرى، ومنها قلق المستثمرين من تأخر للبنك الفيدرالي في خفض سعر الفائدة المرتفع، فإن العديد من الخبراء يقولون إن أمريكا تقترب من الركود، وهو ما أكدته مثلاً كلوديا سام المحللة الاقتصادية السابقة في مجلس الاحتياط الفيدرالي «البنك المركزي الأمريكي» بقولها: «رغم أن الاقتصاد لم يدخل مرحلة الركود بعد فإنه اقترب بصورة غير مريحة من الركود»، وهى تعتقد أنه من الضروري أن يعيد صناع السياسة النقدية النظر في منهجهم ليضعوا في الحسبان المخاطر المتزايدة.
وإضافة للركود وهبوط البورصات فإن المحللين يقولون إن رفع سعر الفائدة في اليابان أثر كثيراً على العملات الرقمية. ونتيجة الاعتقاد بوجود اتجاه هبوطي مطول في هذا السوق فقد تم تصفية ما يقرب من 600 مليون دولار في مراكز طويلة الأجل بالرافعة المالية.
السؤال: بعد كل هذه البيانات والتراجعات القياسية والخسائر التي تسببت في «خراب بيوت» العديد من الأفراد والشركات والحكومات، إذا كانت هذه الخسائر ونحن لم نشهد الصراع الإقليمي الأكبر في المنطقة بعد، أو حتى في أوكرانيا، أو أن أمريكا لم تدخل فعلياً في حالة ركود، فماذا سيحدث إذا تحققت كل هذه المخاوف السابقة؟!
في يوم الاثنين 19 أكتوبر 1987 حدث الانهيار المالي الكبير، وأطلق الخبراء عليه «الاثنين الأسود»، وكل ما نأمله أن يكون يوم الاثنين الماضي 5 أغسطس هو آخر الأيام السوداء في الاقتصاد العالمي.