نصبت الشرطة البريطانية كميناً محكماً في لندن لأشهر لص هواتف متنقلة في تاريخها، الذي يسرق ما معدله 24 هاتفاً في أقل من ساعة! وظل هارباً لبضع سنوات. يأتي ذلك في وقت تزايدت فيه جرائم من هذا القبيل عقب جائحة كورونا، حيث ذكرت تقارير إعلامية أن هاتفاً واحداً يسرق في كل ست دقائق! واللص الواحد يجني من سرقاته ما بين 12 إلى 15 ألف جنيه إسترليني شهرياً، نظير بيع الهواتف لشركات خارجية تفكك أجزاءها لإعادة بيعها.
السارق الذي تحدى أن يصطاده أحد وقع بالفخ كما وقع غيره من اللصوص في هذه العاصمة التي لها سجل حافل في استتباب الأمن فيها ولو بعد حين. كنا مطلع التسعينيات نخشى المشي ليلاً من حديقة الهايدبارك حتى أزقة سوهو المظلمة، التي أصبحت الآن ملاذاً آمناً في ساعات متأخرة من الليل سوى من حوادث سرقات حديثة سرعان ما سيقضي عليها رجال الشرطة قريباً.
كثير من المشكلات التي تعترض متخذي القرار حول العالم تتفاوت خطورة تداعياتها، وكذلك أساليب التعامل معها. صحيح أن السرعة قد تكون مطلباً في حد ذاتها، لكن الأهم هو اجتثاث مكمن المشكلة، وهذا ما يتطلب نفساً طويلاً في التعامل مع مشكلاتنا.
في سنغافورة الستينيات، عانت البلاد من تفشى مظاهر فساد أعاقت التنمية، ثم تمكن قائدها اللامع لي كوان يو من تنفيذ إصلاحات حازمة لمحاربة الفساد. شملت تأسيس مكتب التحقيقات في الممارسات الفاسدة (CPIB)، الذي يعد من أقدم المكاتب من نوعه في العالم، وقد أعطي سلطات واسعة للتحقيق في حوادث الفساد، فضلاً عن فرض عقوبات صارمة على الفاسدين.
وتقاضى موظفو القطاع العام رواتب مرتفعة للحفاظ على نزاهتهم، ثم أصبحت سنغافورة من أقل البلدان فساداً في العالم، وحققت مستويات عالية في مؤشرات التنمية الاقتصادية. هناك من يقول إن الفساد ظاهرة طبيعية، ونقول إن ذلك لا يعني عدم مواجهتها بحلول منهجية مدروسة.
وواجه الألمان كذلك ارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير بعد حقبة الركود الاقتصادي ثم تعاملوا معها وفق سياسة النفس الطويل، حيث اعتمدت البلاد سلسلة من الإصلاحات في سوق العمل عرفت باسم إصلاحات هارتز، تضمنت تقديم دعم مالي مؤقت للأشخاص العاطلين عن العمل، وتحسين التدريب المهني، وتخفيف القيود على عقود العمل المؤقتة، ثم نجحت في خفض معدلات البطالة على نحو ملحوظ وتعافى معها أداء الاقتصاد الألماني.
حتى فنلندا، موطن الهاتف المتنقل (نوكيا)، قبل أن يشار إليها بالبنان واجهت في حقبة الستينيات نظاماً تعليمياً لم يكن أداؤه بالمستوى المطلوب مقارنة بمنافساتها، فعكفت الحكومة الفنلندية على إعداد إصلاحات جذرية في نظام التعليم ركزت فيه على الجودة بدلاً من الكمية، وتقليل حجم الفصول الدراسية، وتحسين وسائل تأهيل المعلمين، وتقديم التعليم المجاني للجميع، ثم أصبحت فنلندا واحدة من الدول الرائدة في العالم في جودة التعليم، حيث تربع طلابها على رأس قوائم اختبارات PISA الدولية، بحسب تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD.
في أواخر القرن العشرين، عانت كولومبيا من ارتفاع مستويات الجريمة المنظمة بسبب عصابات المخدرات، مثل كارتيل ميديلين بقيادة بابلو إسكوبار. وخرج العديد من أفلام هوليوود ليوثق تلك الحقبة، ثم بدأت الحكومة الكولومبية بزيادة التمويل للقوات الأمنية، وتحسين التكنولوجيا المستخدمة في مكافحة المخدرات، فضلاً عن التعاون الدولي. وقد نجحت في تقليص قوة عصابات المخدرات الكبيرة.
ما زالت التحديات قائمة، لكنها خطت خطوات نحو مستقبل أفضل. التعامل مع المشكلات الكبرى يتطلب نفساً طويلاً للنجاح في حلها، ولا تنفع معها سياسة العصا السحرية، وهذا ما يستدعي تضافر جهود شتى القطاعات للوصول إلى حلول منهجية وشاملة.