ينقر الشباب كما لم ولن ينقر أحد. ما يقرب من عشرين عاماً من النقر المتواصل، وتحديداً منذ وصلت الثورة الرقمية وعصر الإنترنت إلى محطة الإتاحة للشعوب، أسفرت عن جيل تمكن تماماً من النقر، وآخر في مرحلة الإعداد، والبقية في الطريق.

الأجيال الشابة رقمية بامتياز. والمقصود بالامتياز هنا ليس امتياز الأداء والنتيجة وروعتهما بالضرورة، ولكنه امتياز التمكن من العقل والقلب والبناء والمعرفة والتخطيط المستقبلي، كل بحسب استخدامه، إذ يصيب البعض ويخيب البعض الآخر.

في شهر أغسطس من كل عام، يحتفي العالم بيوم الشباب الدولي، وهو من أهم المناسبات الأممية، ويكفي أن نصف سكان الأرض في سن الثلاثين أو أقل، ويتوقع أن تصل النسبة إلى 57% بحلول العام 2030.

وفي منطقتنا العربية، النسبة أعلى. متوسط أعمار السكان (وليس متوسط العمر المتوقع) في كل دولنا دون سن الـ30. في مصر المتوسط 23.9 عاماً، وفي الإمارات 32.8 عاماً، وفي السعودية 29.8 عاماً، وفي ليبيا 26.3 عاماً.

إنها مجتمعات شابة وفتية، لكن أحياناً تهدر المجتمعات قدرات شبابها، وتتجاهل أو لا تلتفت لإمكانات العقول والقلوب الفتية. واقتصار قدرات الشباب على النقر، أي النقر على اللوحات والشاشات الرقمية، دون إحراز تقدم يؤتي ثماراً في التنمية، يجعله نقراً في الهواء.

هذا العام، اختارت الأمم المتحدة لليوم الدولي للشباب عنوان: من النقر إلى التقدم: مسارات الشباب الرقمية للتنمية المستدامة. وهذا ليس مجرد عنوان، هو توصيف للواقع، وتجسيد للإمكانات، ورسالة للمستقبل.

ثلاثة أرباع شباب العالم على الأقل ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً يستخدمون الإنترنت. صحيح هناك فجوات بين الدول وبعضها، وبين الذكور والإناث، لكن تظل القوة الناقرة شديدة وجارفة. إنهم الشباب من يقود التحول الرقمي.

التحول الرقمي جارٍ من حولنا. يمضي قدماً، لا ينتظر دولة تنهي صراعاتها حتى تلحق بالركب، أو أخرى تعيد ترتيب واختيار أولوياتها حتى تجني ثمار هذا التحول. حتى الدول التي تعي أهمية وواقعية التحول الرقمي، لكن تتجاهله أو تقرر تأجيله، فإن شبابها سيتحولون نحو الحياة الرقمية دون انتظارها. وفي هذا النوع من التحول، فرص كثيرة وتحديات أكثر.

عربياً؛ 78% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً يستخدمون الإنترنت، وهذا واقع يفرض نفسه.

نموذجا مصر والإمارات في دعم الشباب على الانتقال من مرحلة الاكتفاء بالنقر إلى تحقيق التقدم، مع الأخذ في الاعتبار الاختلافات في ظروف البلدين والتحديات، جديران بالتأمل.

مصر، ورغم الظروف السياسية والاقتصادية بالغة الصعوبة التي ألقت بظلال ثقيلة وكثيرة ومتفاقمة في أعقاب أحداث يناير عام 2011، دشنت مئات المبادرات والمشروعات التي تستهدف الشباب وتحقق مسارات التنمية المرجوة عبر تمكينهم من الأدوات والمهارات الرقمية، بالإضافة إلى استمرار خطوات التحول الرقمي، ونشر ثقافة وعي رقمي تليق ومتطلبات العصر والمستقبل، وإعادة هيكلة رؤى وتخصصات التعليم، ليتلاءم ومتطلبات سوق العمل.

وفي الإمارات، تتحدث تفاصيل الحياة اليومية وقواعد التعليم ومبادئ العمل والكثير من ملامح الثقافة عن التحول الرقمي الذي يسير بتناغم وتكامل مع الخصوصية الثقافية وأولويات المجتمع.

تعاملات رسمية ذكية باقتدار، خدمات رقمية، حكومة هي في طليعة حكومات العالم التي تكافح البيروقراطية عبر برنامج تصفيرها وهدف إلغاء 2000 إجراء حكومي خلال العام الجاري، مبادرات أكثر من أن تعد أو تحصى لتجهيز الشباب وصقل مهاراتهم العملية والنفسية والثقافية للتعامل والتأقلم مع العصر الرقمي، مدن ذكية، اقتصاد رقمي، مركز عالمي للتكنولوجيا العالمية، رائدة في الإعلام الرقمي، دعم صناعة وصناع المحتوى الرقمي، ولا سيما العربي، وقائمة جهود الإمارات وخطواتها الضامنة والمحفزة للشباب للتحول فعلياً من النقر إلى التنمية طويلة وجديرة بالتأمل في يوم الشباب الدولي.

بقيت الإشارة إلى أن توصيف المنطقة العربية باعتبارها ضمن أكثر بقاع الأرض سخونة وتوتراً هذه الآونة لا يعني توقف عجلات الدعم والتمكين ودعم النقر للتحول من التنظير عن التنمية إلى تفعيلها.